فما زال بهما حتى أسلما (لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لأنّ التسوية بين من لا نعمة إلا هي منه، ومن لا نعمة منه البتة -ولا يتصوّر أن تكون منه- ظلم لا يكتنه عظمه.
[(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)] ١٤ - ١٥ [
أى (حَمَلَتْهُ) تهن (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) كقولك: رجع عودًا على بدٍء، بمعنى؛ يعود عودًا على بدٍء، وهو في موضع الحال. والمعنى: أنها تضعف ضعفًا فوق ضعف، أى: يتزايد ضعفها ويتضاعف؛ لأنّ الحمل كلما ازداد وعظم، ازدادت ثقلًا وضعفًا. وقرئ: (وهنا على وهن) بالتحريك. عن أبى عمرو. يقال: وهن يوهن، ووهن يهن،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ظلمٌ لا يُكْتَنهُ عِظَمُه) خبرٌ لـ ((أنّ)) وقوله: ((ولا يُتصوَّر أن يكونَ منه)) اعتراضٌ توكيدٌ لقوله: ((لا نعمةَ إلا هي منه)).
قوله: (رجع عَوْدًا على بدء)، وأصله قولهم لمن يستأنف العمل: رجع عَودَه على بَدْئه؛ أي: رجع يَعودُ عودًا على بدئه، ثم حُذف الفعل وجُعل المصدر دليلاً عليه، وأُضيف إلى ضمير ذي الحال. والمثالُ تُرِكَ فيه الضَّمير، والمصدرُ ليس بحالٍ، وإنّما الحالُ مَدْلوله، وهو الفعل.
قال أبو البقاء: المصدر هنا حالٌ، أي: ذاتُ وَهْنٍ، أو مَوْهُونة.
قوله: (((وَهَنًا على وَهَن))؛ بالتَّحريك عن أبي عمرو) أي: في قراءته الشاذة. روى ابن جِنِّي عن أبي عمرو وعيسى الثَّقفيِّ: ((وَهَنًا على وَهَنٍ)) فيهما، والكلام فيه كالكلام في قوله: ﴿يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ [الروم: ٥٦]، وهو أنهم يحركون الساكن في حروف الحَلْق في مثل هذه المواضع.


الصفحة التالية
Icon