أجٍل مسمًّى. ألا ترى أن جرى الشمس مختٌّص بآخر السنة، وجرى القمر مختص بآخر الشهر؛ فكلا المعنيين غير ناٍب به موضعه. (لِكَ) الذي وصف -من عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون، فكيف بالجماد الذي تدعونه من دون الله- إنما هو بسبب أنه هو (الحق) الثابت إلهيته، وأنّ من دونه باطل الإلهية (وَأَنَّ الله هُوَ الْعَلِيُّ) الشأن (الْكَبِيرُ) السلطان. أو: ذلك الذي أوحى إليك من هذه الآيات بسبب بيان أنّ الله هو الحق، وأنّ إلهًا غيره باطٌل، وأنّ الله هو العلىّ الكبير عن أن يشرك به.
[لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ الله لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [٣١]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ الذي وصَفَ مِن عجائب قدرتِه وحِكمتِه) إلى قوله: (إنَّما هو بسبب أنَّه الحقُّ) يعني: أتى باسم الإشارة بعد إجراء تلك الصفات على الذات المُتميِّزة؛ ليؤذن بأنَّ تلك الصِّفاتِ إنَّما تَثْبُتُ له لأنَّه هو الإلهُ الثَّابتُ الإلهيّة؛ لِمَا تقرَّر أَنَّ مَنْ كان إلهًا كان قادرًا خالقًا عالمًا معبودًا رازقًا، فهذه الآيةُ كالفَذْلَكَةِ لتلك الآيات من لَدُنْ قوله: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ وقوله: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾، وكُلٌّ مِنْ فواصِلِها نحو: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ مُتضمنةٌ لأسرارٍ لا يعلم كُنهَها إلا اللَّطيفُ الخبيرُ، وكما أنَّ قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ كالمُجْمَلِ لتلك المُفَصَّل؛ كذلك قرينتُها، أي: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ فذلكة تلك الفواصلِ، والله أعلم.
قوله: (فكيف بالجماد الذي يدعونه) الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمحذوف، وهو العامل في الاستفهام أيضًا؛ أي: فكيف ظنُّكم بالجماد؟ كقوله تعالى: ﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: ٨٧]. وإنما أدخلَ هذا المعنى في مفهوم ذلك الذي هو المبتدأ؛ لاشتمال خبرهِ على قوله: ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾.


الصفحة التالية
Icon