قبض آباؤهم على الكفر وعلى الدين الجاهلى، فأريد حسم أطماعهم وأطماع الناس فيهم: أن ينفعوا آباءهم في الآخرة، وأن يشفعوا لهم، وأن يغنوا عنهم من الله شيئا؛ فلذلك جيء به على الطريق الآكد. ومعنى التوكيد في لفظ المولود: أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه، لم تقبل شفاعته، فضلًا أن يشفع لمن فوقه من أجداده، لأنّ الولد يقع على الولد وولد الولد؛ بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قُبِضَ آباؤُهم على الكُفرِ... ، فأُريدَ حَسمُ أطماعِهم)، الانتصاف: هذا الجواب يَتوقَّفُ على أنَّ الخطابَ للموجودِين حينئذٍ، والصَّحيحُ أنَّه عامٌّ لهم ولكلِّ مَنْ ينطلقُ عليه اسمُ النّاسِ، والجوابُ الصَّحيحُ: أنَّ الله أوجبَ على الأبناءِ برَّ الآباءِ، وقرنَ النَّهي عن عقوقهما بالشِّركِ، وأوجبَ على الولدِ كفايةَ أبيه، فقَطَعَ هاهنا وَهْمَ الوالدِ عن أنْ ينفعَه وَلدُه في الآخرة كما كان في الدُّنيا، فلما كان جزاءُ الولدِ عن الوالد مظنَّةَ الوقوعِ مطلوبًا في الدنيا كان حَقِيقًا بتأكيد النفي.
وقال الإمام: الابنُ مِنْ شأنِه أن يكون جازيًا عن والدِه لما له عليه من الحقوق، والوالد يجزي لما فيه من الشَّفقةِ، وليس الثَّاني كالأَوًّلِ.
قوله: (لأنَّ الولدَ يقعُ على الولدِ وولدِ الولدِ): قال الإمامُ الرّافعيُّ في ((الشَّرح الكبيرِ)): إذا قال القائل: وقَفتُ هذا على أولادي هل يدخلُ فيه أولادُ الأولادِ؟ فيه وجهان؛ أصحُّهما، لا؛ لأنَّ الولَد يقع حقيقة على ولد الصُّلْب.
ألا ترى إلى أنه لا يَنتظمُ أن يُقال: ليس هذا ولدُه وإنَّما هو وَلَدُ وَلَدِه. والثّاني: نعم؛ لقوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ﴾ [الأعراف: ٢٦].
قال صاحب ((المغرب)): يقال للصغير: مَوْلودٌ، وإن كان الكبيرُ مولودًا أيضًا لقُربِ


الصفحة التالية
Icon