لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان الترجي له في (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) لأنه تجرع منهم الغصص ومن عداوتهم وضرارهم، فجعل الله له تمنى أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من الحياء والخزي والغم ليشمت بهم، وأن تكون (لو) الامتناعية قد حذف جوابها، وهو: لرأيت أمرًا فظيعًا. أو: لرأيت أسوأ حال ترى. ويجوز: أن يخاطب به كل أحد، كما تقول: فلان لئيم، إن أكرمته أهانك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، فلا تريد به مخاطبًا بعينه، فكأنك قلت: إن أكرم وإن أحسن إليه، ولو وإذ: كلاهما للمضى، وإنما جاز ذلك؛ لأن المترقب من الله بمنزلة الموجود المقطوع به في تحققه، ولا يقدر لترى ما يتناوله، كأنه قيل: ولو تكون منك الرؤية، و (إذ) ظرف له. يستغيثون بقولهم (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) فلا يغاثون، يعنى: أبصرنا صدق وعدك ووعيدك وسمعنا منك تصديق رسلك. أو: كنا عميًا وصمًا فأبصرنا وسمعنا (فَارْجِعْنا) هي: الرجعة إلى الدنيا (لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) على طريق الإلجاء والقسر، ولكننا بنينا الأمر على الاختيار دون الاضطرار، فاستحبوا العمى على الهدى، فحقت كلمة العذاب على أهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهاية: أي تكون بينكما المحبَّة والاتفاقُ يقال: أدَمَ الله بينهما يأدِم أدْمًا بالسُّكون؛ أي: ألَّفَ ووفَّق، وكذلك آدم يُؤدِم بالمدِّ فَعَلَ وأفْعَل، وليس في الحديث ((لو))، وكلمةُ ((لو)) للتَّقدير والتَّمنيِّ، والتقديرُ: يلتقيانِ؛ لأنَّ المُتمنِّي لا يخلو من تقديرٍ، ويفرض بها غير الواقع واقعًا كما يُطْلب بـ ((ليت)) ما لا يُمكن حصولُه، ولمناسبةٍ بينها جُعلت ((لو)) للتمَّني.
قوله: (أو كنّا عُميًا وصُمًّا) يعني: لا يقدَّر لـ ﴿أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ مفعولٌ، ليكون بمنزلة اللازِم.
قوله: (ولكنّا بَنَينا الأمرَ على الاختيار) ينادي على أن هذا التأويل بمجرد الرأي لاستدراك الله بقوله: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ وما أدري كيف وضع مكان هذا الاستدراك استدراكه.


الصفحة التالية
Icon