وتوبتهم مما لا يكون، ألا ترى أنها لو كانت مما يكون لم يكونوا ذائقين العذاب الأكبر؟ قلت: إرادة الله تتعلق بأفعاله وأفعال عباده، فإذا أراد شيئًا من أفعاله كان ولم يمتنع، للاقتدار وخلوص الداعي. وأما أفعال عباده: فإما أن يريدها وهم مختارون لها، أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((لعلَّ)) إلى الإرادة، والحقُّ أنها لترجِّي المخاطبينَ، وكذا فسَّرها سيبويه.
وقال إمامُ الحرمينِ: ذهبتِ المعتزلةُ ومَنْ تَبِعَهم من أهل الأهواءِ إلى أنَّ الواجباتِ والمندوباتِ من الطّاعات مراداتُ لله تعالى وَقعتْ أو لم تَقعْ.
والمعاصي والفواحشُ والله تعالى كارةٌ لها غيرُ مريدٍ لوُقوعِها.
والمباحاتُ وما لا يدخلُ تحتَ التَّكليفِ من أفعال البهائمِ والمجانينِ تقعُ، وهو لا يريدُها ولا يَكرهُها، وإذا دَلَّلنا على أنَّ الرَّبَّ تعالى خالقٌ لجميعِ الحوادثِ يترتَّبُ عليه أنَّه مريدٌ لما خلقَ، قاصدًا إلى إبداعِ ما اخترعَ.
ثم يقول: قد قضتِ العُقولُ بأنَّ قصور الإرادةَ وعَدَمَ نفوذِ المشيئةِ من أصدقِ الآياتِ على سماتِ النَّقص، والاتِّصافِ بقُصورٍ وعجز، ومن ترشَّحَ لِلملك، ثم لا ينفذ مرادُه في أهل مملكته عُدَّ ضعيف المنّة مِضْياعًا لفرصتِه، وإذا كان ذلك يزري العاجز، فكيف في حقِّ مَلِكِ الملوكِ وربِّ الأرباب؟
فإن قالوا: الربُّ سبحانه وتعالى قادرٌ على أنْ يَرُدَّ الخلائق إلى الطّاعة قهرًا، ويُظهر آية تَظلُّ رِقاب الجبابرة لها خاضعة، قلنا: من فاسد أصلكم أنه لا يجوز في حكم الإله إجبار الخلائق على الطاعات، واضطرارهم إلى الخيراتِ ولا يريد منهم المعاصي والكُفرَ، وإنَّما يريد منهم الإيمانَ الاختياريّ فما يُريده لا يَقدرُ عليه وما يقدر عليه لا يُريده.
وقد اجتمع سَلَفُ الأُمَّةِ على كلمةٍ لا يجحدُها أهلُ الإسلام، وهو قولُهم: ((ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يَكُن))، والآياتُ الشاهدةُ لأهل السُّنة لا تُحصى كَثْرة.


الصفحة التالية
Icon