(مَتى هذَا الْفَتْحُ) أى: في أىّ وقت يكون (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أنه كائن. ويَوْمَ الْفَتْحِ يوم القيامة، وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم، ويوم نصرهم عليهم. وقيل: هو يوم بدر. وعن مجاهد والحسن رضى الله عنهما: يوم فتح مكة. فإن قلت: قد سألوا عن وقت الفتح، فكيف ينطبق هذا الكلام جوابًا على سؤالهم؟ قلت: كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح، استعجالًا منهم عن وجه التكذيب والاستهزاء، فأجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم في سؤالهم فقيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزؤا، فكأنى بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم، وآمنتم فلم ينفعكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾، ﴿مَتَى﴾ في موضع نَصَبٍ على الظَّرف، وهو خبرُ الابتداء، وهو ﴿هَذَا﴾، و ﴿الفَتْحُ﴾ نعتٌ لـ ﴿هَذَا﴾ أو عطفُ بيان. ويجوز أن يكون ﴿مَتَى﴾ في موضع رفع على تقدير حذف مضافٍ مع ﴿هَذَا﴾، وتقديره: متى وقت هذا الفتح؟
قوله: (كان غرضهُم في السُّؤال عن وقتِ الفتح، استعجالاً منهم على وجه التَّكذيب والاستهزاءِ)، يعني: إنما طابَقَ هذا الجوابُ مضمونَ ما أرادوا بسؤالهم في قولهم: ﴿مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾، وهو القطعُ بأنَّ ذلك كذبٌ ولا ينبغي أن يكونَ، وأنت ممن يجب أن يضحك منه.
وأجاب أن كَينونَته ممّا لا ارتيابَ فيه، وأنَّه لا بدَّ أن يقعَ، لكنِّي أخبرُكم عن أحوالكم فيه كأني أنظر إليكم الآنَ، وأنتم على تلك الحالِ، وهو قريبٌ من الأسلوب الحكيمِ.
قوله: (فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم)، قال المُطرزي: قولهم: كأنِّي بك: كأنِّي أبصرتُك، إلا أنّه تُرك الفعلُ لِدلالة الحالِ وكثرةِ الاستعمال، ومعناه: أعرف ما أشاهد من من حالك اليومَ وكيف يكونُ حالُك غدًا، كأنِّي أنظرُ إليك وأنتَ على تلك الحالِ. ومثلُه: مَن لي بكذا، يعنون من يَكفُل لي به، وله نظائر.
قال المُظهرِي: كأنِّي بك مبصرٌ وعالمٌ بحالك أنّك سَتَهلِك. وهذا اللَّفظُ يُستعمل في كل موضع يُتيقَّن ما يصير إليه حالُ الرَّجل.


الصفحة التالية
Icon