ووجيبها وإن لم تبلغ الحناجر حقيقةً. (وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا) خطاٌب للذين آمنوا، ومنهم الثبت القلوب والأقدام، والضعاف القلوب؛ الذين هم على حرف، والمنافقون؛ الذين لم يوجد منهم الإيمان إلا بألسنتهم، فظن الأولون بالله أنه يبتليهم ويفتنهم؛ فخافوا الزلل وضعف الاحتمال، وأمّا الآخرون فظنوا بالله ما حكى عنهم. وعن الحسن: ظنوا ظنونًا مختلفة: ظن المنافقون أنّ المسلمين يستأصلون، وظنّ المؤمنون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (ووَجيبِها)، النهاية: يقال: وجَبَ القلبُ يجُب وجيبًا: إذا خفَق.
قولُه: (الذين هم على حَرْف)، أي: على وَجْهٍ واحد، وهو أن يعبُدَ اللهَ على السرّاءِ دونَ الضراء. النهاية: أي: جانبٍ وطرف، فالمؤمنون صنفانِ: صنفٌ ثابتون يظنّونَ النُّصْرةَ والظَّفرَ، والآخَرُ آيِسون قانِطون، وهم الذين على حرف.
قولُه: (فظَنَّ الأولون)، أي: الذين آمنوا، وهم فَريقان: الثُّبَّتُ القلوب، خافوا الزّلَل، أي: ذنوبًا اكتَسبوها فمنَعْتُهم التأييدَ وتقويةَ القلوبِ حتى تزلزلوا، كما قالَ في قولهِ تعالى: ﴿نَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ [آل عمران: ١٥٥].
والفريقُ الثاني: الضعافُ القلوبِ، فخافوا ضَعْفَ الاحتمالِ؛ أي: احتمالِ الملاقاةِ والمحاربة. ففي كلامِ المصنِّفِ لَفٌّ ونَشْر.
وأمّا الآخرونَ فهم المنافِقون وما حُكِيَ عنهم، هو ما حَملَهم على أن يقول رئيسُهم مُعَتِّبُ بنُ قُشَيْر: كانَ محمّدٌ يَعِدُنا كنوزَ كِسْرى! لا نقدِرُ أن نذهبَ إلى الغائط! على ما مرّ، وما رُوِيَ عن الحَسنِ وجْهٌ آخَرُ في الآية.
ثمَّ المناسِبُ أن يُرادَ بالابتلاءِ على الوجْهِ الأولِ المِحْنةُ والبَلاء، وعلى الثاني الاختبار، كما أُريدَ مِنْ ظَنِّ المنافقينَ: ما حَملَهم على تلكَ الكلمةِ الشنعاءِ على الأول، وعلى الثاني: الاستئصال.


الصفحة التالية
Icon