وتنبيه على أن الأعمال الكثيرة من غير تصحيح المعرفة كالبناء على غير أساس، وأنها مما يذهب عند الله هباًء منثورًا. فإن قلت: ما معنى قوله: (وَكانَ ذلِكَ عَلَى الله يَسِيراً) وكل شيء عليه يسير؟ قلت: معناه: أن أعمالهم حقيقة بالإحباط، تدعو إليه الدواعي، ولا يصرف عنه صارف. (يَحْسَبُونَ) أنّ الأحزاب لم ينهزموا، وقد انهزموا فانصرفوا عن الخندق إلى المدينة راجعين لما نزل بهم من الخوف الشديد ودخلهم من الجبن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا وُجِدَ هناك عَملٌ والمنافِقُ لا عَمَلَ له حتى يُحْبَطَ، لكنَّ ورودَ هذا الأسلوبِ على التعريضِ بمَنْ له عَملٌ والحثِّ له على الاحتياطِ والإتقانِ فيه لئلاّ يؤولَ إلى الإحباطِ كقولهِ تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فُصِّلت: ٦ - ٧]، وليسَ من المشركين مَنْ يُزَكّي، ولكنْ حَثَّ المؤمنينَ على أدائِها لأنّ المنْعَ مِن صفةِ المُشركين فلا يَنْبغي للمؤمنِ أن يتَّصفَ به.
ومسألةُ الإحباطِ سَبَق في أولِ ((البقرة))، قال القاضي: ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾: فأظهَر بطلانَها إذ لم تَثْبُتْ لهم أعمالٌ فتَبْطل، أو أبطَل صنيعَهم ونِفاقَهم.
قولُه: (معناهُ: أنَّ أعمالَهم حقيقةٌ بالإحباط تدعو إليه الدواعي)، يريدُ أنّ قولهُ تعالى: ﴿كَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ كنايةٌ عن هذا المعنى، كما أنّ الناسَ إذا عَقَدوا هِمَمَهم على حصولِ أمرٍ بَعيدِ المَنالِ واهتَمُّوا به قيل لهم تَسلّيًا: وما ذلك على الله بعزيز. قال القاضي: ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ هيّناً لتعلُّقِ الإرادةِ به وعَدَمِ ما يَمْنَعُه عنه. وقال صاحبُ ((التقريب)): لا يخافُ اعتراضًا عليه.
قولُه: (فانصرَفوا عن الخندقِ إلى المدينة راجعين)، ليس في ((المعالم)) ولا في


الصفحة التالية
Icon