ومرض القلوب؛ جعل المنافقون كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم، كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم؛ لأنّ كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب، فكأنهما استويا في طلبهما والسعى لتحصيلهما. ويعذبهم (إِنْ شاءَ) إذا لم يتوبوا (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) إذا تابوا، (وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا) الأحزاب (بِغَيْظِهِمْ) مغيظين، كقوله: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)] المؤمنون: ٢٠ [. (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) غير ظافرين، وهما حالان بتداخل أو تعاقب، ويجوز أن تكون الثانية بيانًا للأولى أو استئنافًا، (وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بالريح والملائكة (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ) ظاهروا الأحزاب من أهل الكتاب، (مِنْ صَياصِيهِمْ): من حصونهم. والصيصية: ما تحصن به، يقال لقرن الثور والظبى: صيصية، ولشوكة الديك؛ وهي مخلبه التي في ساقه؛ لأنه يتحصن بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٨] قال: ((﴿وَأَعَدَّ﴾ عَطْفٌ على ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ﴾؛ لأنّ المعنى: أنّ اللهَ أكّد على الأنبياءِ الدعوةَ إلى دينهِ لأجلِ إثابةِ المُؤمنين وأعَدَّ للكافرين.... )).
وفي كلامِ أبي البَقاء إشعارٌ بهذا حيث قال: ﴿لِّيَجْزِيَ اللَّهُ﴾ يجوزُ أن تكونَ لامُ العاقبة، وأن تَتعلَّقَ بـ ﴿صَدَقُوا﴾ أو بـ ﴿زَادَهُمْ﴾ أو بـ ﴿مَا بَدَّلُوا﴾. وعلى الزجَّاج بـ ﴿صَدَقُوا﴾.
قولُه: (بتداخُلٍ أو تعاقُب)، التداخلُ: أن يُعْمِلَ الحالَ الأولى في الثانية ويكونُ الحالانِ لشَيْئين لفظًا، والتعاقُبُ: أن يكونا لشيءٍ واحد.
قولُه: (﴿كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ بالريحِ والملائكة)، الراغب: الكفايةُ: ما فيه سَدُّ الخَلَّةِ وبلوغُ المرادِ في الأمرِ، والكُفْيةُ من القُوت: ما فيه كِفاية.


الصفحة التالية
Icon