[(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفا)] ٣٢ [
"أحد" في الأصل بمعنى وحٍد، وهو الواحد، ثم وضع في النفي العام مستويًا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه. ومعنى قوله: (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ): لستن كجماعةٍ واحدةٍ من جماعات النساء، أى: إذا تقصيت أمة النساء جماعةً جماعة لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة، ومثله قوله عز وجل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (تُقُصِّيَت)، أي: استُقصِيَت وتُتبِّعَتُ، والتقصِّي: الاستقصاءُ وهو بلوغُ الأقصى.
قولُه: (أي: إذا تُقُصِّيَت أمةُ النساء جماعةً جماعةً، لم توجَدْ منهن جماعةٌ واحدةٌ تُساويكنَّ في الفضل)، الانتصاف: أراد المطابقةَ بين المتفاضلَيِن، فإنّ نساءَ النبيِّ جماعة، وقد كان مُستغنيًا بحملِ المعنى على الوحدة ويكون أبلغ، أي: ليست واحدةٌ منكنَّ كأحدٍ، أي: كواحدةٍ من آحادِ النساء. ويلزَمُ على ما قال تفضيلُ الجماعةِ على الجماعة، ولا يلزم ذلك في عكسه فتأمله، وجاء التفصيلُ هاهنا كمجيئه في قوله تعالى: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ﴾ [النحل: ١٧]، وكقوله: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى﴾ [آل عمران: ٣٦]، وقد مضت فيه نكته، أي: الأصلُ: أفمَنْ لا يخلقُ كمَنْ يخلق، وليس الأنثى كالذكر، وكذا هاهنا: ليسَت إحداكُنَّ نحو أحدٍ من آحادِ النساء.
وقلت: لا شكّ أن اسمَ ((ليسَ)) ضميرُ الجماعةِ، وقد حُمِلَ عليه ﴿كَأَحَدٍ﴾، وبُيِّن بقوله: ﴿مِّنَ النِّسَاءِ﴾، والتعريفُ فيه للجنس، فوجبَ حَملُ الأحدِ في هذا السياقِ على الجماعة، كما في قولِه تعالى: ﴿فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] ولو حُملَ أحدٌ على الواحدِ لزمَ التفصيلُ بحسب الوُحْدان، ويرجع ذلك إلى تفضيلهنَّ عليهن على واحدٍ واحدٍ من النساء، ولا ارتيابَ في بُطلانِه. وأمّا تأويلُه بقولِه: ((ليست واحدةٌ منكنّ)) فخلاف


الصفحة التالية
Icon