[(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ الله لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)] ٣٥ [
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحققنا القول فيه في ((الأنفال))، ويدل على هذا إفرادُ ضميرِ القرآنِ في قوله: ((لأنه معجزة))، وقوله: ((فأنزَلَه عليكم)) وهو لوجهَيْن: أحدهما: أن يكون المُعلَّلُ القرآن، من حيث كونُه نازلاً لمصالحِ الخلق ومنافعِهم وهو المرادُ من قولهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ حين علم ما ينفعُكم ويُصلحُكم من دينكم فأنزله عليكم.
وثانيهما: أن يكون مُعلَّلاً من حيثُ كونه نازلاً على حضرةِ الرسالة، وبيوتُهنَّ مهابطُه احترامًا لهن، وإليه الإشارة بقوله ((وعَلِمَ منْ يصلحُ لنبوته ومَنْ يصلح لأن يكون أهلَ بيته)).
وإما راجعٌ إليه باعتبار المعنيين، وهو المراد من قولِه: ((أو حيث جَعلَ الكلامَ الواحدَ- أي: القرآنَ- جامعًا بين الغرضَيْن)) أي: بين كونه معجزة وبين كونه مشتملاً على بَيانِ العلمِ والعمل المُعَبَّرِ بهما عن الحكمة، وهذا الوجه أحسَنُ طِباقًا وأجرى على قانونِ البلاغةِ لِما في العلّة والمُعلَّلِ من اللفِّ والنشرِ، فإن قولَه: ﴿لَطِيفًا﴾ نَشْرٌ لقوله: ﴿مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ المعنيِّ بهما المعجزة، وقولَه: ﴿خَبِيرًا﴾ نشرٌ لقولِه: ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ واللطفُ فيه: أنّ شأنَ الإعجازِ يحتاج إلى لُطفِ إدراكٍ ودقّةِ نَظر كما قال صاحب ((المفتاح)): شأنُ الإعجازِ عَجيبٌ يدرك ولا يُمكنُ وصفه، فناسب صفة اللطف وأن تحقيقَ وضعِ الشرائعِ والأحكامِ يفتقرُ إلى حِكَم بليغة ولا يصل إلى كُنْهِ تلك الحكمة إلا علم العليم الخبير فناسب الخبير الحكمة، نحوه قوله تعالى: ﴿لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon