أي: دعوت لك بأن يحييك الله؛ لأنك لاتكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة، وكذلك: عمرك الله، وعمرتك، وسقاك الله، وسقيتك، وعليه قوله تعالى: (إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْه)] الأحزاب: ٥٦ [أى: ادعوا الله بأن يصلى عليه. والمعنى: هو الذي يترحم عليكم ويترأف حيث يدعوكم إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة؛ (لِيُخْرِجَكُمْ) من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة، (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) دليل على أنّ المراد بالصلاة الرحمة. ويروى أنه لما نزل قوله تعالى: (إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)] الأحزاب: ٥٦ [قال أبو بكر رضى الله عنه: ما خصك يا رسول الله بشرٍف إلا وقد أشركنا فيه؛ فأنزلت. (تَحِيَّتُهُمْ) من إضافة المصدر إلى المفعول، أى: يحيون يوم لقائه بسلام. فيجوز أن يعظمهم الله بسلامه عليهم، كما يفعل بهم سائر أنواع التعظيم، وأن يكون مثلًا كاللقاء على ما فسرنا. وقيل: هو سلام ملك الموت والملائكة معه عليهم، وبشارتهم بالجنة. وقيل: سلام الملائكة عند الخروج من القبور. وقيل: عند دخول الجنة، كما قال: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ)] الرعد: ٢٣ - ٢٤ [، والأجر الكريم: الجنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال القاضي: الفعل يتعدّدُ معنًى لا لفظًا، والمرادُ بالصلاةِ المُشتَركُ وهو العنايةُ بصلاحِ أمرِكم وظهور شرفكم، مستعار من الصلاة، وقيل: الترحُّمُ والانعطافُ المعنوي مأخوذٌ من الصلاةِ المشتملةِ على الانعطافِ الصوري الذي هو الركوع والسجود.
وقلتُ: هذا التأويلُ أقوى لقولِه تعالى: ﴿لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾، ولذلك اختاره المصنِّف، ونصَّ عليه بقوله: ((﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ دليلٌ على أن المرادَ بالصلاة الرحمةُ))، والتأويلُ الأول أي: ظهورُ الشرف أنسَبُ لقولِه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon