قيل: لا يعزب عنه مثقال ذرّة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر؟ قلت: يأبى ذلك حرف الاستثناء، إلا إذا جعلت الضمير في (عَنْهُ) للغيب، وجعلت (الْغَيْبِ) اسمًا للخفيات قبل أن تكتب في اللوح؛ لأنّ إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب، على معنى: أنه لا ينفصل عن الغيب شيء، ولا يزل عنه إلا مسطورًا في اللوح.
[وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ)] ٥ [
وقرئ: (معجزين). و (أليم): بالرفع والجر. وعن قتادة: الرجز: سوء العذاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ذَرَّةٍ﴾؟ ) وقد قال بِهما أبو البقاء.
قولُه: (يأبى ذلك حَرْفُ الاستثناء)، لأنّ الاستثناءَ حينئذٍ مُنقطع، فيكونُ التقديرُ: لا يعزُبُ عن عالمِ الغيبِ مثقالُ ذَرّةٍ ولا أصغَرُ من مثقالِ ذَرّة ولا أكبرُ منه، لكن ما في كتابٍ مُبينٍ يعزُبُ عنه. وإذا جعَلْتَ الضميرَ للغيبِ يصيرُ المعنى: ولا يعزُب، أي: لا ينفصلُ عن الغيب، أي: الخَفِيّات، مثقالُ ذَرّةٍ، ولا أصغرُ منه ولا أكبر، لكن في كتابٍ مُبينٍ يَعْزُبُ عنه، لأنّ ما في اللوحِ خارجٌ من الغَيبِ لِمَا يَطَّلِعُ فيه الملائكةُ المُقرَّبون.
والمعنى على هذا: أنّ ما أظهَرهُ من علومهِ الت يتنفد الأبحرُ دونَ نفادِها بالنسبةِ إلى ما أخفاهُ كالقَطْرةِ بالنسبةِ إلى الأبحُرِ السبعة.
قولُه: (وقُرئَ: ((مُعَجِّزين)))، بالتشديد: ابنُ كثيرٍ وأبو عَمْروٍ، والباقونَ: ﴿مَعَاجِزِينَ﴾ بالألفِ. و ((أليمٌ)) بالرفعِ: ابنُ كثير وحَفْصٌ، والباقونَ بالجرِّ.
قال الزجاج: ((معاجزين)) بمَعْنى: مسابقين، ومُعَجِّزين: أنّهم يُعَجِّزونَ مَنْ آمنَ بها ويكون بمعنى: مُثَبِّطين.


الصفحة التالية
Icon