يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه؟ ثم قال سبحانه ليس محمٌد من الافتراء والجنون في شيء، وهو مبرأ منهما، بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث واقعون في عذاب النار وفيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك، وذلك أجنّ الجنون وأشدّه إطباقًا على عقولهم. جعل وقوعهم في العذاب رسيلًا لوقوعهم في الضلال، كأنهما كائنان في وقت واحد؛ لأنّ الضلال لما كان العذاب من لوازمه وموجباته؛ جعلا كأنهما في الحقيقة مقترنان. وقرأ زيد بن علىّ رضى الله عنه: (نبيكم). فإن قلت: فقد جعلت الممزق مصدرا، كبيت الكتاب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: دعوا حديثَ الافتراءِ فإنّ هاهنا ما هو أطمُّ منه، لأنّ العاقلَ كيف يُحدِّثُ بإنشاءِ خَلْقٍ جديدٍ بعد الرُّفات والتراب، فإنَّ جُنونَه يُوهمُه ذلك ويُلقيه على لسانه. ولمّا كان التعويلُ على ما بعدَ الإضرابِ مِن إثباتِ الجنون أوْقعَ الإضرابَ الثاني ردًّا عليهم قولَهم، ونَفْيًا عنه صلواتُ الله عليه ما أثبتوا فيه من الجنون وإثباتًا له فيهم كما قال المصنِّف: ((بل هؤلاءِ القائلون الكافرون بالبعثِ)) إلى قوله: ((أجنُّ الجنونِ وأشدُّه إطباقًا على عقولِهم)) كأنّه قيل: لمّا قالوا: أهو مُفْتَرٍ على الله بل به جِنّة، أضْربَ عنه وقيل: بل القائلون بهم أشدُّ الجنون. فوَضعَ ((القائلون)) قولَه: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ على سبيلِ العُمومِ ليدخلوا فيه دخولاً أوّليًّا، وليُسَجِّلَ عليهم الجنونَ بالطريقِ البُرهاني، ووضع موضعَ: ((بهم الجنون)) قولَه: ﴿فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ وضعًا للسببِ موضعَ المُسَبَّب ليؤذِنَ بأنّ الإضلالَ أبْعدُ مِن ضَلالِ مُنكرِ البَعْثِ لأنّه مُبْطِلُ حِكْمةِ الله في خَلْقِ العالَم، ومكَذِّبُ الله تعالى في وَعْدِه ووعيدِه كما قال: ((كذبني ابنُ آدمَ ولم يكُنْ له ذلك)) الحديث، وجاهلٌ مُفرِطٌ في جَهْلِه حيث تعرَّضَ لسَخَطِ الله وإيقاعِ نَفْسِه في العذابِ السَّرْمَدِ. والله أعلم.
قولُه: (رَسيلاً لوقوعِهم في الضلال)، الأساس: يقال: هو رَسيلُك في الغناء، أي: يُباريك في إرسالِك، ومن المجاز تقول: القَبيحُ سوءُ الذِّكْرِ رَسيلُه، وسوءُ العاقبةِ زَميلُه.


الصفحة التالية
Icon