أي: رجعي معه التسبيح. أو: ارجعي معه في التسبيح كلما رجع فيه؛ لأنه إذا رجعه فقد رجع فيه، ومعنى تسبيح الجبال: أنّ الله سبحانه وتعالى يخلق فيها تسبيحًا، كما خلق الكلام في الشجرة، فيسمع منها ما يسمع من المسبح؛ معجزة لداود. وقيل: كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين، وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها، والطير بأصواتها. وقرئ: (والطير) رفعًا ونصبًا عطفًا على لفظ الجبال ومحلها. وجوّزوا أن ينتصب مفعولاً معه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأَ منه. ويعضُدُه ما رَويْنا عن البخاريِّ ومُسلمٍ وأبي داودَ عن عَبدِ الله بنِ مُغَفَّل قال: رأيتُ رسولَ الله ﷺ يومَ فَتْح مكّةَ على ناقتِه يقرأُ سورةَ الفتحِ، فرجَّع فيها، قال: ثُمَّ قرأَ مُعاويةُ يَحْكي قراءةَ ابنِ مُغفَّل فَقال: لولا أن يجتمِعَ الناسُ عليكُم لرجَّعْتُ كما رَجَّعَ ابنُ مُغفَّلٍ يحكي النبي ﷺ فقلتُ لمعاوية: كيف كان ترجيعه؟ قال: اآ اآ اآ ثلاث مرات)).
النهاية: الترجيعُ: ترديدُ القراءةِ. وقيل: هي تقاربُ حروفِ الحركاتِ في الصوتِ. وقد حكى ابنُ مُغَفَّل تَرْجيعَه بمَدِّ الصوت في القراءة. وهذا إنّما حصلَ منه- والله أعلمُ- يوْمَ الفتحِ؛ لأنّه كان راكبًا فجَعلتِ الناقةُ تحرِّكه.
قال مُحيي السنَّة: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ سَبِّحي معه إذا سَبَّح، فقيل: هو تفعيلٌ من الإيابِ، وهو الرجوعُ، أي: رَجِّعي معه. قال القُتَيْبي: أصله من التأويبِ في السَّير، وهو أن يَسيرَ النهارَ كلَّه بالتسبيحِ معه.
قوله: (﴿وَالْطَّيْرَ﴾ رفعًا ونَصْبًا)، والنَّصْبُ هي المشهورة والرّفعُ شاذّ.
قوله: (وجَوّزوا أن ينتصِبَ مفعولاً معه) قال الزجّاج: ويجوزُ أن يكونَ ((الطير)) منصوبًا على معنى: مع، كما تقول: قَمْتُ وزيدًا أي: قَمْتُ مع زيدٍ، فالمعني: أوِّبي معَه ومعَ الطير.