جريها بالغداة مسيرة شهر، وجريها بالعشي كذلك. وقرئ: (غدوتها) و (روحتها). وعن الحسن رضى الله عنه: كان يغدو فيقيل بإصطخر، ثم يروح فيكون رواحه بكابل. ويحكى أنّ بعضهم رأى مكتوبًا في منزل بناحية دجلة كتبه بعض أصحاب سليمان: نحن نزلناه وما بنيناه ومبنيا وجدناه، غدونا من إصطخر فقلناه، ونحن رائحون منه فبائتون بالشام إن شاء الله. القطر: النحاس المذاب من القطران. فإن قلت: ماذا أراد بـ (عين القطر)؟ قلت: أراد بها معدن النحاس، ولكنه أساله كما ألان الحديد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنى: سَخَّرْنا الريحَ، كما إذا قُلْتَ: لله الحمدُ، فتأويلُه: استَقرّ لله الحمدُ، وهو يرجِعُ إلى معنى: أحمَدُ الله الحَمْد.
قوله: (جَرْيُها بالغداةِ مَسيرةُ شَهْرٍ، وجَرْيُها بالعَشيٍّ كذلك)، قال مَكّي: مَسيرةُ غُدوِّها مَسيرةُ شهرٍ، وكذلك ﴿وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾. وإنّما احتيجَ إلى ذلك لأنَّ الغُدوَّ والرواحَ ليسا بالشهرِ وإنما يكونان فيه.
وقال ابن الحاجبِ في ((الأمالي)): الفائدةُ في إعادةِ لَفْظِ الشهرِ الإعلامُ بمقْدارِ زمنِ الغُدوِّ والرواحِ، والألفاظُ التي مُبيِّنةً للمقاديرِ لا يحسُنُ فيها الإضمارُ، ألا ترى أنك تقول: زِنَةُ هذا مِثقالٌ، فلا يحسُنُ الإضمارُ كما لا يحسُنُ في التمييزِ، وأيضًا فإنه لو أُضْمِرَ فالضميرُ إنما يكونُ لِما تقدَّم باعتبار خُصوصيتهِ، فإذا لم يكُنْ له وجبَ العدولُ عن المُضْمَرِ إلى الظاهر، ألا ترى أنّك إذا أكرَمْتَ رجلاً وكسَوْتَه لكانَتِ العبارةُ: أكرَمْتُ رجلاً وكَسَوْتُه.
ولو أكرمتَ رجلاً وكسوْتَ غيره، لكانت العبارة: أكرَمْتُ رجلاً وكسَوْتُ رجلاً. فتبيَّن أنه ليسَ من جَعْلِ الظاهرِ موضِعَ المُضْمَر.
قوله: (النحاسُ المُذاب من القَطَران)، وعن بَعْضِهم: صحَّ بفَتْحِ الطاءِ، وهو مصدر، وبالكسر مُشتَقٌّ منه.