أداء الشكر، الباذل وسعه فيه، قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه؛ اعتقادًا واعترافًا وكدحًا، وأكثر أوقاته. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: من يشكر على أحواله كلها. وعن السدى: من يشكر على الشكر. وقيل: من يرى عجزه عن الشكر. وعن داود:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((إن العملَ للمُنْعمِ شُكْرٌ له)).
قوله: (قد شَغَل به قلْبَه ولِسانَه وجَوارحَه)، لفٌّ. وقولُه: ((اعتقادًا واعترافًا وكَدْحًا)) نَشْرٌ، وهو ينظرُ إلى قولِه في الفاتحة: ((وأما الشكرُ فعلى النعمةِ خاصّةً وهو بالقلبِ واللسانِ والجوارح)).
الراغب: الشكرُ: تصوُّر النعمةِ وإظهارُها، وقيل: هو مقلوبٌ الكَشْر، أي: الكشف، ويُضادُّه الكفر، وهو نسيان النعمة وسترها، ودابّةٌ شَكور: مظهر بسِمَنِه إسداءَ صاحِبه.
وقيل: أصلُه عَيْنٌ شَكْرى، أي: ممتلئة، فالشكرُ على هذا الامتلاءُ من ذِكْرِ المنعم. والشكرُ ثلاثةُ أضربُ: شُكرٌ بالقلبِ وهو تصوُّرُ النعمةِ، وشُكرٌ باللسانِ وهو الثناءُ على المُنْعِم، وشُكرٌ بسائرِ الجوارح وهو مكافأةُ النعمةِ بقَدْرِ استحقاقِه، وقولُه تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: ١٣] قيل: انتصابُه على التمييزِ، أي: اعملوا ما تعملونَه شكرًا لله، وقيل: مفعول لقوله: ﴿اعْمَلُوا﴾، وذكَر ﴿اعْمَلُوا﴾ ولم يقُلْ: ((اشكروا)) ليُنبِّه على التزامِ الأنواع الثلاثة.
قوله: (مَنْ يشكُرُ على الشكر)، وعليه قال:
إذا كان شُكْري نعمةَ الله نعمةً | عليَّ له في مِثْلِها يجبُ الشكرُ |
فكيف بلوغُ الشكرِ إلا بفَضْلهِ | وإن طالتِ الأيامُ واتّسَع العُمْرُ |
إذا مسَّ بالنعاءِ عَمَّ سرورُها | وإن مَسَّ بالضراءِ أعْقَبهَا الأجْرُ |