التهكم بهم كما تتهكم بمدّعى الباطل إذا دحضت حجته، وظهر إبطاله بقولك: هل تبينت أنك مبطل. وأنت تعلم أنه لم يزل لذلك متبينًا. وقرئ: (تبينت الجن) على البناء للمفعول، على أن المتبين في المعنى هو: (أَنْ) مع ما في صلتها؛ لأنه بدل. وفي قراءة أبىّ: (تبينت الإنس). وعن الضحاك: (تباينت الإنس)، بمعنى: تعارفت وتعالمت. والضمير في (كانُوا) للجن في قوله: (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ)] سبأ: ١٢ [، أى: علمت الإنس أن لو كان الجن يصدقون فيما يوهمونهم من علمهم الغيب؛ ما لبثوا. وفي قراءة ابن مسعود رضى الله عنه: (تبينت الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب). روى: أنه كان من عادة سليمان عليه السلام أن يعتكف في مسجد بيت المقدس المدد الطوال، فلما دنا أجله لم يصبح إلا رأى في محرابه شجرة نابتة قد أنطقها الله، فيسألها: لأى شيء أنت؟ فتقول: لكذا، حتى أصبح ذات يوم فرأى الخروبة فسألها، فقالت: نبت لخراب هذا المسجد، فقال: ما كان الله ليخربه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: ((وعلم المُدَّعون)) أو يقول: هو معمولُ الثاني وحُذِفَ مفعولُ الأولِ لدلالةِ هذا عليه، ويؤيِّدُ الوجْهَ الأخيرَ قولُه: ((وإن كانوا عالمينَ قبل ذلك بحالهم)) إلى آخره.
قوله: (على أن المتبيَّنَ في المعنى)، يعني ﴿تَبَيَّنَتِ﴾ قرئ مجهولاً بناءً على أنّ المسندَ إليه ((أن)) مع ما في صلتِها، وذِكْرُ الجنِّ كالتوطئِة، ومَرْجِعُه إلى الوجْهِ الأول.
قوله: (تَبيَّنتِ الإنس)، قال ابن جني: هي قراءةُ ابنِ عباسٍ والضّحاك وعليِّ بن الحسين رَضِيَ الله عنهم، أي: تبينتِ الإنسُ أنّ الجنَّ لو عَلِموا بذلك ما لبِثوا في العذاب المُهين، ويدلُّ عليه ما رواه مَعبدٌ عن قَتادة قال: في مُصْحَفِ عبد الله: ((تبيَّنتِ الإنسُ أنّ الجنَّ لو كانوا يعلمون ما لبثوا)).
قوله: (الخرّوبة)، النهاية: في حديثِ سليمانَ عليه السلام: كان يَنْبُت كلَّ يوم في مُصَلاه شجرةٌ فيسألها: ما أنت؟ فتقول: أنا شجرةُ كذا، أنبُت في أرضِ كذا، أنبُت في أرضِ كذا، أنا دَواءٌ من داء كذا،