أي: علامة دالة على الله، وعلى قدرته وإحسانه ووجوب شكره. فإن قلت: كيف عظم الله جنتي أهل سبأ وجعلهما آية، ورب قريةٍ من قريات العراق يحتف بها من الجنان ما شئت؟ قلت: لم يرد بستانين اثنين فحسب، وإنما أراد جماعتين من البساتين: جماعة عن يمين بلدهم، وأخرى عن شمالها، وكل واحد من الجماعتين في تقاربها وتضامهما، كأنها جنة واحدة، كما تكون بلاد الريف العامرة وبساتينها، أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله، كما قال: (جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب)] الكهف: ٣٢ [. (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ): إما حكاية لما قال لهم أنبياء الله المبعوثون إليهم، أو لما قال لهم لسان الحال، أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك، ولما قال: (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) أتبعه قوله: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) يعنى: هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة، وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور لمن شكره. وعن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اندفاعِ نِقمةٍ أو هُجومِ نعمةٍ، وإلى الأولِ الإشارةُ بقوله: ((فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفرِ)) وإلى الثاني بقوله: ((وإحسانهِ ووجوبِ شكره)).
قوله: (لم يُرِدْ بَستانَيْن اثنَيْن فحَسْب)، أي: ﴿جَنَّتَانِ﴾ إما بَدلٌ من ﴿آيَةٌ﴾ أو خبرُ مبتدأٍ محذوف والجملةُ بَيان، وقولُه: ﴿لِسَبَإ﴾ اسمُ قبيلةٍ أو حيٍّ محمولٌ على ﴿آيَةٌ﴾ لأنها اسمُ ﴿كَانَ﴾ وينبغي أن يُحملَ ﴿جَنَّتَانِ﴾ على الكلِّ: إما باعتبارِ الجنس وما يُقال له: جَنّتان، وإليه الإشارةُ بقوله: ((وإنّما أراد جماعتَيْن)) إلى آخرِه، أو باعتبارِ أفرادِ الجنسِ وهو المرادُ مِن قَوْلِه: ((أو أرادَ بُسْتانَيْ كُلِّ رجلٍ منهم وليسَ كذلك بساتينُ سائرِ البلادِ لسائرِ الناس))، فأدّى مآلُ المعنى إلى أنَّ أهلَ تلك البلادِ مُتْرَفين قاطبةً أصحابَ بساتين.
قولُه: (أتْبَعَه)، فيه إشعارٌ بأنّ في التنزيل لفًّا ونَشْرًا، وأنّ وصْفَ البلدةِ بالطيِّبة ناظرٌ إلى قوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: ٨٥]، وإليه أشارَ بقوله: ((هذه البَلدةُ


الصفحة التالية
Icon