ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيقاع قولِه: ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ تذييلاً لقوله: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا﴾، وذلك في مثل هذه الموانع يُفيدُ المعنى الكلِّيَّ وهو العِلّيّةُ، وذلك أنه ورد عَقيبَ أوصافِ أُجْرِيَتْ على موصوفٍ، فآذن بأنَّ المذكورَ قبله مُستحَقٌّ بما بعده، أي: ذلك الجزاء لأجلِ اتصافه بتلك الصفات كما مر.
قال صاحب ((الفرائد)): قولُه: ((إن مثل هذا الجزاء لا يستحقُّه إلا الكافر)) صحيح، ولكن قوله: ((وهو العقابُ العاجلُ)) منظور فيه لأن المؤمن يبتلي بالعقاب العاجل أيضا فكيف وقد جاء في الحديث: ((جَعل عذاب هذه الأمة في الدنيا))، وقال تعالى: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] وقوله: ((وليس لقائلٍ أن يقولَ)) إلى آخرهِ منظورٌ فيه يعرف بالتأمل، والوجه أن يقال: وهل نجازي بمِثْلِ هذا الجزاء وهو السلب والتبديل إلا الذي بالغ في الامتناعِ من الشكرِ وكان في ضِمْنِ قوله: ﴿اَلْكَفُورَ﴾ دون ((الكافر)) أنه يعفو عن كَثيرٍ، ولا يُعاقبُ بمثْلِ هذا إلا الذي بلغَ هذا الحدَّ من الكُفر، فيلزَمُ أن يكونُ الكفورُ كافرًا، لأنّ المؤمنَ لا يكون امتناعُه من الشكرِ بهذه المَثابة.
وقلت: ويمكنُ أن يُستنبطَ هذا المعنى من قولِه: ((وقيل: المؤمن تُكَفَّرُ سيئاتُه بحسناتِه)) إلى آخره، يعني: مِثلُ هذا الجزاء أي: العقابُ الذي يكونُ مجازاةً بجميعِ ما يَفعلُه من السوءِ لا يستحقُّه المؤمن، لأن المؤمنَ تُكفَّرُ سيئاتُه بحسناتِه، والكافرُ هو الذي يستحقّه لأن حسناته محبطة فيُجازي بجميعِ ما يفعلُه بجميعِ ما يفعلُه من السوء، فإذَن التعريفُ في قوله: ((العقاب العاجل)) للعهدِ، وهذا من قول الزجاج قال: هذا مما يسأل عنه ويقال: إنّ الله يُجازي الكفورَ وغير الكفور. وجوابُه: أن المؤمنَ يكفَّر عنه السيئات لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤] والكافر يحبط عمله فيجازي بكل سوء يعمله لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٢٨].