قيل: وهل يجازى إلا الكفور، على اختصاص الكفور بالجزاء، والجزاء عام للكافر والمؤمن؟ لأنه لم يرد الجزاء العام، وإنما أراد الخاص وهو العقاب، بل لا يجوز أن يراد العموم، وليس بموضعه. ألا ترى أنك لو قلت: جزيناهم بما كفروا، وهل يجازى إلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جزاني الزُّهْدَ مانِ جَزاءِ سوء وكُنْتُ المرءَ أُجْزي بالكَرامهْ
وأما قراءةُ ابنِ جُنْدَبٍ: ((وهل يُجْزي إلا الكفور)) فوجْهُها: إذا كان الجزاءُ عن الحسنةِ عَشْرًا، فلذلك تَفضُّلٌ وليس جزاءً، وإنما الجزاءُ في تعادُلِ العملِ والحسابِ والثوابِ عنه، ولله دَرُّ جريرٍ حيث يقول:
يا أم عمرو جزاك الله صالحة رُدِّي عليّ فُؤادي كالذي كانا
وروي مُحي السنّةِ عن مجاهدٍ: ((يُجازي)) أي: يعاقب، ويقال في العقوبة: نُجازي، وفي المثوبة: نَجْزي. وقال الفراء: المؤمنُ يُجزي ولا يُجازي، أي يُجزي الثوابَ بعَمَله ولا يُكافأُ بسيئاته.
وروى الإمامُ عن بعضِهم: أنّ المُجازَاةَ في النقمةِ والجزاءَ في النعمة. ثم قال: قولُه: ﴿جَزَيْنَاهُم﴾ يدلُّ على أن ((يَجْزي)) يُستَعْمَلُ في النعمةِ أيضًا، ولعلّهم ذَهبوا إلى أنّ المجازاة مفاعلة، وهي في أكثرِ الأمرِ تُستعملُ بين اثنين بأخْذِ كلِّ واحدٍ جزاءَ حَقِّه من الآخَر، ولا يكون ذلك في النعمةِ، لا سيَّما من الله تعالى، لأن الله تعالى مبتدئُ النعم.
وقلتُ: القولُ المُختارُ ما قال المصنِّف.


الصفحة التالية
Icon