وبالعمل الكفر والمعاصي العظام. وفتح الله بينهم وهو حكمه وفصله: أنه يدخل هؤلاء الجنة وأولئك النار.
[قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ الله الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)] ٢٧ [
فإن قلت: ما معنى قوله: (أَرُونِيَ) وكان يراهم ويعرفهم؟ قلت: أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله، وأن يقايس على أعينهم بينه وبين أصنامهم؛ ليطلعهم على إحالة القياس إليه والإشراك به. و (كَلَّا): ردع لهم عن مذهبهم بعد ما كسره بإبطال المقايسة، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (أُفٍّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله تعالى)، هذا كما يقول القائل لغيره إذا أفسد شيئًا: أرِني هذا الذي أفسَدْتَه لأُريك فسادَه.
قوله: (وأن يُقايسَ على أعينهم)، فإن قُلْتَ: عَدّى ((يُقايِسُ)) بـ ((على)) فيما ليسَ بمَقيسٍ عليه، ثم عَدّاهُ في قولِه: ((القياس إليه)) بـ ((إلى)) وهو يُعَدّى بـ ((على)).
قلت: هما حالانِ والمتعلِّقٌ محذوف، أما الأول فمعناه أن يُقاسَ الأصنامُ على الله تعالى ظاهرًا على أعينهم مكشوفًا كما في قوله تعالى: ﴿فَاتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ الأنبياء: ٦١] أي: مُعايَنًا مُسْتعليًا على الأعينِ استعلاءَ الراكبِ على المركوب، ومعنى الثاني ليُطلعَهم على إحالةِ القياس منتهيًا إليه، أي: مُحالٌ أن ينتهي قياسُ شيءٍ إلى الله تعالى وإلى صفاتِه، تعالى الله عن ذلك عُلوًّا كبيرًا.
قوله: (و ﴿كَلاَّ﴾ رَدْعٌ لهم عن مذهبهم بعد ما كَسره)، قال القاضي: ﴿قُلْ أَرُونِيَ﴾ استفسارٌ عن شُبهتِهم بعد إلزامِ الحجّةِ عليهم زيادة في تبكيتهم.
وقلت: هذه قاعدةٌ شريفةٌ وأدبٌ جَميلٌ في آدابِ المجادلة وقَمْعِ شُبهةِ الخصم الألدِّ الأبِّي، فإنه ينبغي أنْ يُرْخى عِنانُ الكلامِ معه أولاً، ويُجاري معه على سَنَنٍ يَبعثُه على التفكرِ والنظرِ في أحوالِ نفسهِ ليعثُرَ حيثُ يراد تَبْكيتُه عند إيرادِ الحجةِ البالغة وعليه قولُ إبراهيم


الصفحة التالية
Icon