[(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُورُ)] ٤ [
نعى به على قريش سوء تلقيهم لآيات الله، وتكذيبهم بها، وسلى رسوله ﷺ بأن له في الأنبياء قبله أسوةً، ثم جاء بما يشتمل على الوعد والوعيد؛ من رجوع الأمور إلى حكمه ومجازاة المكذب والمكذب بما يستحقانه. وقرئ: (ترجع) بضم التاء وفتحها. فإن قلت: ما وجه صحة جزاء الشرط ومن حق الجزاء أن يتعقب الشرط، وهذا سابق له؟ قلت: معناه: وإن يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك، فوضع: (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) موضع: فتأس؛ استغناًء بالسبب عن المسبب، أعنى بالتكذيب عن التأسى. فإن قلت: ما معنى التنكير في (رسل)؟ قلت: معناه: فقد كذبت رسل، أى: رسل ذوو عدد كثير. وأولو آيات ونذر، وأهل أعمار طوال، وأصحاب صبر وعزم، وما أشبه ذلك، وهذا أسلى له، وأحث على المصابرة.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [٥ - ٧]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحقُّ أنّ المانعَ من ذلك التقديرِ النظْمُ المُعْجِز، وحاكمُه الذوقُ السليم، ولأنَّ السؤالَ بقولِه: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ سؤالُ تبكيتٍ واردٌ على قولِه: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾، وقولُه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾: تقريرٌ للتوحيدِ بعْدَ تقريرِ إقرارِهم بنَفيْ الغير، ولذلك رَتَّبَ عليه بالفاءِ قوله: ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ أي: إذا كنتم تُقرّون أن لا خالقَ سوى الله يرزقُكم فلا يكونُ سواه معبودًا، لأنّ المعبودَ ينبغي أن يكون خالقًا رازقًا فكيف تُصرفونَ عنه وتكفرون نِعمتَه وتعبدونَ غيره.
قولُه: (ومن حقِّ الجزاءِ أن يتعقَّبَ الشرط)، والآيةُ مثل: إن أكرمْتَني الآن فقد أكرمتُك أمس. وخُلاصةُ الجواب: أنَّ الجزاءَ مبنيٌّ على الإخبارِ والتنبيهِ على التأسِّي والتسلِّي، كما أن المثالَ فيه تنبيهٌ على معنى الاعتقاد.


الصفحة التالية
Icon