أن الشيطان لنا عدوّ مبين، واقتص علينا قصته وما فعل بأبينا آدم صلوات الله عليه، وكيف انتدب لعداوة جنسنا من قبل وجوده وبعده، ونحن على ذلك نتولاه ونطيعه فيما يريد منا مما فيه هلاكنا، فوعظنا عز وجل بأنه كما علمتم عدوّكم الذي لا عدوّ أعرق في العداوة منه، وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بحاله (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) في عقائدكم وأفعالكم. ولا يوجدن منكم ما يدل إلا على معاداته ومناصبته في سركم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال المصنِّف: كلُّ مَغْرورٍ غُرورُه مصلحةٌ له في تَرْكِ غُروره، وأنتُم لفَرْطِ اغترارِكم غُرورُكم مفسدةٌ لكم داعيةٌ إلى الغرور، أو المرادُ أهلُ الغرورِ، أو ذو الغرور.
قولُه: (وكيف انتدبَ لعداوةِ جنسِنا قبل وجوده)، أي: قبلَ وجودِ جنسِنا، وهي عداوتُه لآدمَ عليه السلام، وبعدَ وجودِ الجنسِ، وهو توريطُ بني آدمَ في كلِّ ضلالٍ وخِزْيٍ ونكال، فكما قال في ((مريم)): وهو عدوُّكَ وعدوُّ أبيكَ وأبناءِ جنسِك.
الأساس: نُدِبَ لكذا وإلى كذا فانتدَبَ له، وتكلَّمَ فانتدَبَ له فُلانٌ إذا عارضَه، ورجُلٌ نَدْبٌ؛ إذا نُدِبَ لأمرٍ خَفَّ له، وأراكَ نَدْبًا في الحوائج، وندَبه لأمر كذا فانتدبَ له، أي: دعاهُ له فأجاب.
قولُه: (وأنتم تعامِلونه) أي: نَزَّلَ العالِمَ منزلةَ الجاهلِ، وذلك بأنْ خاطبَ الناسَ بقولِه: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ مع أنهم لا يشكُّون فيه، وأدخَل على الجملةِ حرْفَ التحقيقِ مع أنَّهم مُقِرُّون بذلك ولا يُنكرونه؛ لعَدمِ جَرْيِهم على مُوجِبِ العلم، وتَماديهم في اتباعِ خُطُواتِ الشيطان.
قولُه: (ولا يوجَدَنَّ منكم ما يدلُّ إلا على مُعاداتِه)، إشارة إلى أن قولَه تعالى: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ﴾ نَهْيٌ للشيطانِ، وفي الحقيقةِ نَهْيٌ للإنسان بأنْ يكونَ على وَصْفٍ يتمكَّنُ الشيطانُ منه على الغُرور، نَحْو: لا أرينَّك هاهنا.
قولُه: (ومناصبتِه)، يقال: نصَبَ لفلانٍ نَصَبًا: إذا عادَيْتَه، وناصَبْتَه الحرْبَ مُناصبة.


الصفحة التالية
Icon