والمعنى فليطلبها عند الله، فوضع قوله: (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) موضعه؛ استغناء به عنه لدلالته عليه؛ لأن الشيء لا يطلب إلا عند صاحبه ومالكه. ونظيره قولك: من أراد النصيحة فهي عند الأبرار، تريد:
فليطلبها عندهم، إلا أنك أقمت ما يدل عليه مقامه. ومعنى: (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً): أنّ العزة كلها مختصة بالله: عزة الدنيا وعزة الآخرة. ثم عرف أن ما تطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح بقوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)، والكلم الطيب: لا إله إلا الله. عن ابن عباس: يعنى أنّ هذه الكلم لا تقبل ولا تصعد إلى السماء فتكتب حيث تكتب الأعمال المقبولة، كما قال عز وجل: (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ)] المطففين: ١٨ [، إلا إذا اقترن بها العمل الصالح الذي يحققها ويصدقها فرفعها وأصعدها. وقيل: الرافع الكلم، والمرفوع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُتمَّ نورَه، كيفَ قلبَ الأمرَ عليهم حيث أخرجَهم من مكّةَ وأبادَهم بالقتلِ في بدرٍ وأثبتَهم في قَليبِه ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾.
وعلى أن يُرادَ بهم أصحابُ الرِّبا فالجملةُ عطفٌ على جملةِ الشرطِ والجزاء، فيجبُ حينئذٍ مراعاةُ التطابُقِ بين القرينتَيْن والتقابلِ بين الفريقَيْن بحَسبِ الإمكانِ بأن يُقَدَّرَ في كلٍّ منهما ما يحصُلُ به التقابُل بدلالةِ المذكورِ في الأولى على المتروكِ في الأخرى وبالعكس، و ﴿يَمْكُرُونَ﴾ على القولَيْن يجري على غيرِ حقيقتِه، فعلى الأول: حكايةٌ للحالِ الماضيةِ لتصويرِها في مشاهدةِ السامع، وعلى الثاني: مرادٌ منه الاستمرار والدوام.
قولُه: (والمعنى: فليطلبها عند الله)، فوضعَ قوله: ﴿فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ موضعَه، يعني: وضعَ السببَ موضعَ المسبَّب؛ لأنَّ الطلبَ مُسبَّبٌ عن حصولها عند الله تعالى، وفي العدول -أي: ترْكِ السببِ- إلى المسبَّبِ إيذانٌ بأن المقصودَ الأَولى هو: العزّة، والطلبُ هو: الوسيلة، كما في قوله تعالى: ﴿أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ﴾ [الأعراف: ١٦٠].
قولُه: (العملُ الصالحُ الذي يُحقِّقها ويُصدِّقُها)، قال صاحبُ ((الكشف)): المختار أن يرفعَ العملُ الصالحُ الكَلِمَ، دون أن تكون الهاء المنصوبة تعود إلى العمل، لأنه لو كان عائدًا إليه لكانَ ((العملُ الصالحُ)) بالنصبِ على مقتضى قول سيبويه؛ لأنه قال: إذا قُلْتَ: قامَ زيدٌ


الصفحة التالية
Icon