وهو أنه لا يطول عمر إنسان ولا يقصر إلا في كتاب، وصورته: أن يكتب في اللوح: إن حج فلان أو غزا فعمره أربعون سنة، وإن حج وغزا فعمره ستون سنة، فإذا جمع بينهما فبلغ الستين فقد عمر. وإذا أفرد أحدهما فلم يتجاوز به الأربعون، فقد نقص من عمره الذي هو الغاية، وهو الستون. وإليه أشار رسول الله ﷺ في قوله: «إن الصدقة والصلة تعمران الديار، وتزيدان في الأعمار» وعن كعب: أنه قال حين طعن عمر رضى الله عنه: لو أن عمر دعا الله لأخر في أجله، فقيل لكعب: أليس قد قال الله: (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَاخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)] يونس: ٤٩ [؟ قال: فقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما لم يكن قَضاءً فمرجُوٌّ أن يدفَعَه الله فإذا قُضِيَ فلا مَدْفَع له ويشهَدُ لذلك قوله عز وجل: ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾ [مريم: ٢١، ] وقوله: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١]، تنبيهًا على أنه صار بحيثُ لا يُمكنُ تَلافيه.
وقلت: ذكر صاحبُ ((التاريخ الكامل)): أن عُمَر بن الخطاب رضِي اللهُ عنهُ قَدِم الشامَ، فلما كان بسَرْغٍ لقيَه أُمراءُ الأجنادِ فيهم أبو عبيدة بن الجرّاح، فأخبروه بالوَباءِ وشِدّتِه، وكان معه المهاجرون والأنصار فاستشارهُم فاختلفوا عليه، فنادى عمرُ في الناس: إني مُصْبِحٌ على ظَهْرٍ، فقال أبو عُبيدة: أفرارًا من قدرِ الله تعالى؟ فقال عمر: لو غيرُك قالَها يا أبا عُبيدة! نَعم نفِرُّ من قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله، أرأيْتَ لو كان لك إبِلٌ فهَبَطْتَ واديًا له عُدْوتان: إحداهما: خِصْبة، والأُخرى: جَدْبة، أليسَ إن رعَيْتَها الخِصْبَة رعَيْتها بقَدرِ الله، وإن رعَيْتَ الجَدْبَة رعَيْتَها بقَدرِ الله تعالى، فسمِعَ بهم عبدُ الرحمن بن عوف فأخبرَه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ((إذا سمِعْتُم بهذا الوباءِ ببلدٍ فلا تخرُجوا فرارًا منهُ)) فانصرفَ عُمر بالناسِ إلى المدينة.
والروايةُ الأخيرةُ أخرجَها البخاريّ ومسلم في ((صحيحَيْهِما))، والأولى مختصرةٌ من ((صحيحِ البخاريِ)) عن ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon