الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بـ (ذلك)؟ قلت: لما كان السبب في نيل الثواب، نزل منزلة المسبب، كأنه هو الثواب؛ فأبدلت عنه (جنات عدن). وفي اختصاص السابقين بعد التقسيم بذكر ثوابهم والسكوت عن الآخرين ما فيه من وجوب الحذر، فليحذر المقتصد، وليهلك الظالم لنفسه حذرًا، وعليهما بالتوبة النصوح المخلصة من عذاب الله، ولا يغترا بما رواه عمر رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له»؛ فإنّ شرط ذلك صحة التوبة؛ لقوله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بذكْرِ المصطفَيْن من عبادِ الله، ثم قَسَّمهم إلى الظالمِ والمقتصدِ والسابقِ فيلزَمُ اندراجُ الظالمِ الموَحِّدِ في المصطَفْين وإنّه لمنهم، وأيُّ نِعمةٍ أعظمُ من اصطفائه للتوحيد والعقائد السالمة من البدَع، فما بالُ الزمخشريّ يُطنبُ في التسوية بين الموحِّدِ المُصْطفى وبين الكافرِ المَخْزِيِّ. وقوله: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ عائدٌ إلى المصطفَيْن عُمومًا، وإعرابُها مبتدأٌ، و ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ خَبرهُ، وقولهُ: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا﴾ إلى آخرِ الآيةِ خَبَرٌ بعدَ خَبَر.
قولُه: (حَذَرًا) أي: فليَحذَرْ حَذَرًا أيَّ حَذَر، وليهلكَ من جِهةِ الحِذار، أو لأجلِه، أو حالَ كونِه حَذِرًا.
قولُه: (وعليهما بالتوبة النصوح)، عن بعضِهم: هو من قولِهم: نصحت الإبل الشُّرْبَ تنصَحُ نُصوحًا، أي: صدقتُها، وأنصَحْتُها أنا أروَيْتُها، ومنه التوبةُ النصوحُ، وهي الصادقة.
قولُه: (سابقُنا سابق)، الحديث رواه البيهقيُّ في ((البعث والنشور))، ومعنى: ((سابقنا سابق)) أي: مَن زادت حسناته على سيئاته فهو الذي يدخلُ الجنة بغير حساب، و ((مقتصدنا ناجٍ)): أن من استوت حسناتُه وسيئاتُه فهو يحاسبُ حسابًا يسيرًا، ثم يدخل الجنة، و ((ظالمنا مغفورٌ له)): أن من أوْثقَ نَفْسَه بالذنوب، فهو إمّا أن تُدركه الشفاعةُ، أو يغفر الله تعالى له بفَضْله، أو يُعذّبه بقَدرِ ذَنْبِه ثم يخرجه ويدخله الجنة. روى البيهقيُّ عن جابرٍ بنِ عبدِ الله رضيَ الله عنه حديثًا موقوفًا عليه هذا معناه.


الصفحة التالية
Icon