من الصراخ؛ وهو الصياح بجهد وشدّة. قال:
كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها
واستعمل في الاستغاثة لجهد المستغيث صوته.
فإن قلت: هلا اكتفى بـ (صالحا) كما اكتفى به في قوله تعالى: (فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً)] السجدة: ١٢ [؟ وما فائدة زيادة (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) على أنه يوهم أنهم يعملون صالحًا آخر غير الصالح الذي عملوه؟ قلت: فائدة زيادتها التحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به. وأما الوهم فزائل لظهور حالهم في الكفر وركوب المعاصي؛ ولأنهم كانوا يحسبون أنهم على سيرةٍ صالحة، كما قال الله تعالى: (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)] الكهف: ١٠٤ [، فقالوا: أخرجنا نعمل صالحًا غير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (كصَرْخَة حُبْلى)، أوَّلُه:

قصدْتُ إلى عَنْسي لأجدَحَ رَحْلَها وقد حانَ من تلك الدِّيارِ رَحيلُها
فأنَّتْ كما أنَّ الأسيرُ وصَرَّخَتْ كصَرْخةِ حُبْلى أسلمَتْها قَبيلها
أسلمَتْها: خذَلَتْها، مِن قولهم: أسلَمَه، أي: خذَلَه. والقبيلُ: القابلة، وقيل: كلُّ جيلٍ من إنسٍ وجنٍّ قَبيل.
قولُه: (ولأنهم كانوا يَحسَبون)، تسليمٌ للاعتراضِ بعد الاعتذارِ منه، أي: يجوزُ اعتبارُ أنَّهم يعملون صالحًا آخرَ بناءً على زَعْمِهم؛ لأنهم كانوا يُحْسِنون صُنعًا، فعلى الأول: الصفةُ مؤكِّدة، وعلى الثاني: مميِّزة.
قال أبو البقاء: ﴿صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي﴾ يجوز أن يكونَ صفتَيْن لمصدرٍ محذوفٍ أو مفعولٍ محذوف، ويجوزُ أن يكونَ ﴿صَالِحًا﴾ نعتًا للمصدرِ و ﴿غَيْرَ الَّذِي﴾ مفعولاً.


الصفحة التالية
Icon