المعنى: ما في بطنها من الحبل، وما في إنائك من الشراب؛ لأن الحبل والشراب يصحبان البطن والإناء. ألا ترى إلى قولهم: معها حبل؟ وكذلك المضمرات تصحب الصدور، وهي: معها، وذو: موضوع لمعنى الصحبة.
[(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً)] ٣٩ [
يقال للمستخلف: خليفة وخليف؛ فالخليفة يجمع: خلائف، والخليف: خلفاء، والمعنى: أنه جعلكم خلفاءه في أرضه قد ملككم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها، وأباح لكم منافعها؛ لتشكروه بالتوحيد والطاعة، (فَمَنْ كَفَر) منكم وغمط مثل هذه النعمة السنية، فوبال كفره راجع عليه؛ وهو مقت الله الذي ليس وراءه خزى وصغار، وخسار الآخرة الذي ما بعده خسار. والمقت: أشدّ البغض، ومنه قيل لمن ينكح امرأة أبيه: مقتى؛ لكونه ممقوتًا في كل قلب. وهو خطاب للناس، وقيل: خطاب لمن بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: جعلكم أمّة خلفت من قبلها، ورأت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين قولك: رجلٌ ذو إناءٍ وقولِك: اشرَبْ ذا إنائك، وذلك أنك وصفْتَ الرجلَ بأنه صاحبُ إناءٍ ومالكُه وليس كالآخر لا إناءَ له، وأردْتَ بالثاني: أنه في الإناءِ فإضافتُه كإضافةِ اشرَبْ شرابَ إنائك. أي: اشرَبْ جميعَ ما في الإناء.
قولُه: (خلفاءَه في أرضِه)، الراغب: خلفَ فلانٌ فلانًا: قامَ بالأمرِ إما بَعْدَه وإما معَه، والخلافة: النيابةُ عن الغيرِ إمّا لغيبةِ المنوبِ عنه، وإما لموتِه، وإما لعَجْزه، وإما لتشريفِ المُسْتخلَف، وعلى الوجهِ الأخيرِ استخلف الله تعالى عباده في الأرض قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾.
وقلت: وإلى هذا المعنى نظرَ المصنِّفُ حيث قال: ((وغَمَطَ مثْلَ هذه النعمةِ السَّنية)).


الصفحة التالية
Icon