ووصف ما جاء به من الشريعة، فجمع بين الوصفين في نظام واحد، كأنه قال: إنك لمن المرسلين الثابتين على طريق ثابت، وأيضًا فإن التنكير فيه دل على أنه أرسل من بين الصرط المستقيمة على صراط مستقيم لا يكتنه وصفه. وقرئ: (تنزيلُ العزيز الرحيم) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وبالنصب على: أعني، وبالجر على البدل من ﴿الْقُرْآنِ﴾. ﴿قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾: قومًا غير منذر آباؤهم على الوصف، ونحوه قوله: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [القصص: ٤٦]، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا الَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ [سبأ: ٤٤]، وقد فسر ﴿مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ على إثبات الإنذار. ووجه ذلك: أن تجعل ﴿مَا﴾ مصدرية: لتنذر قومًا إنذار آبائهم، أو موصولةً منصوبةً على المفعول الثاني: لتنذر قومًا ما أنذره آباؤهم من العذاب، كقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾ [النبأ: ٤٠]. فإن قلت: أي فرق بين تعلقي قوله: ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ على التفسيرين؟ قلت: هو على الأول متعلق بالنفي، أي: لم ينذروا فهم غافلون، على أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم، وعلى الثاني: بقوله: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ لتنذر، كما تقول: أرسلتك إلى فلان لتنذره، فإنه غافل، أو: فهو غافل. فإن قلت: كيف يكونون منذرين غير منذرين لمناقضة هذا ما في الآي الأخر؟ قلت: لا مناقضة؛ لأن الآي في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقرئ: "تنزيل") قرأ حفص وابن عامر وحمزة والكسائي: بالنصب، والباقون: بالرفع. قال أبو البقاء: "تنزيل العزيز" أي: هو تنزيل، والمصدر بمعنى المفعول، أي: منزل العزيز، ويقرأ بالنصب على أنه مصدر، أي: نزل تنزيلًا، وبالجر أيضًا صفة للقرآن، وقوله: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ يجوز أن يتعلق بـ ﴿تَنْزِيلَ﴾، وأن يتعلق بمعنى قوله: ﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: مرسل لتنذر.
قوله: (أو موصولة منصوبة على المفعول الثاني) وعلى النافية كان صفة لـ"قوم"، وعلى المصدرية مفعولًا مطلقًا.
قوله: (كيف يكونون منذرين غير منذرين؟ ) هذا السؤال وارد على ترتيب من ذهب


الصفحة التالية
Icon