وتتلو الذكر مع ذلك لا تشغلها عنه تلك الشواغل. كما يحكى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فإن قلت: ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات؟ قلت: إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود، كقوله:
يا لهف زيابة للحارث الص.... صابح فالغانم فالآيب
كأنه قيل: الذي صبح فغنم فآب، ؛ وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه، كقولك: خذ الأفضل فالأكمل، واعمل الأحسن فالأجمل؛ وإما على ترتب موصوفاتها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما يحكى عن علي رضي الله عنه)، قيل: كان علي رضي الله عنه يخرج من الصف، وسيفه ينطف دمًا، فإذا رقي رباوة يأتي بالخطبة الغراء. هكذا وجدته في "الحاشية".
وذكر ابن عبد البر في "الاستيعاب": سئل الحسن البصري عن علي رضي الله عنه، فقال: كان والله سهمًا صائبًا من مرامي الله على عدوه، ورباني هذه الأمة، وذا فضلها، وسابقتها، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة، ذلك علي بن أبي طالب.
قوله: (وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه) يعني: يجوز أن يكون بين الشيئين تفاوت بحسب اعتبارين، فإن الشيء قد يكون أفضل من الآخر من بعض الوجوه وذلك الآخر أفضل منه من وجه آخر، فعومل بالفاء هاهنا معاملة ثم في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [البلد: ١٧]، وقد ذكر في قوله تعالى: ﴿فَيَاتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ [الشعراء: ٢٠٢ - ٢٠٣]: ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه في الوجود، وإنما المعنى ترتبها في الشدة. وترى "ثم" يقع في هذا الأسلوب فيحل موقعه.


الصفحة التالية
Icon