إلى ارعوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين؛ في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رؤوسهم له، وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ما قدامهم ولا ما خلفهم، في أن لا تأمل لهم ولا تبصر، وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله. فإن قلت: ما معنى قوله: ﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ﴾؟ قلت: معناه: فالأغلال واصلة إلى الأذقان ملزوزة إليها؛ وذلك أن طوق الغل الذي في عنق المغلول، تكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود، نادرًا من الحلقة إلى الذقن، فلا يخليه يطأطئ رأسه ويوطئ قذاله، فلا يزال مقمحًا. والمقمح: الذي يرفع رأسه ويغض بصره. قمح البعير فهو قامح: إذا روي فرفع رأسه، ومنه: شهرا قماح؛ لأن الإبل ترفع رؤوسها عن الماء؛ لبرده فيهما، وهما الكانونان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بانتصاب العنق، والمتواضع يوصف بضده، قال تعالى: ﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٢٦].
قوله: (إلى ارعوائهم)، أي: امتناعهم وإمساكهم، يقال: ارعوى عن القبيح: إذا كف عنه.
قوله: (نادرًا من الحلقة إلى الذقن)، الأساس: ندر: نادر من الجبل: إذا خرج ونتأ، وندر من بيته: خرج.
قوله: (والمقمح: الذي يرفع رأسه)، الراغب: القمح: رفع الرأس لسَفِّ الشيء، ويسمى السويق من القمح -أي البر-: قميحه، ثم يقال لرفع الرأس كيف ما كان قمح، وقمح البعير رأسه وأقمحت البعير: شددت رأسه إلى خلف، وقوله تعالى: ﴿فَهُم مُّقْمَحُونَ﴾ تشبيه بذلك، ومثل لهم، وقصد إلى وصفهم بالتأبي عن الانقياد للحق والتأبي عن الإنفاق في سبيل الله، وقيل: إشارة إلى حالهم يوم القيامة إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل.


الصفحة التالية
Icon