[﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ﴾ ١١]
الهمزة وإن خرجت إلى معنى التقرير فهي بمعنى الاستفهام في أصلها؛ فلذلك قيل: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾؛ أي: استخبرهم ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا﴾؟ ولم يقل: فقررهم. والضمير لمشركي مكة. وقيل: نزلت في أبي الأشد بن كلدة، وكني بذلك لشدة بطشه وقوته ﴿أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾ يريد: ما ذكر من خلائقه: من الملائكة، والسماوات والأرض، والمشارق، والكواكب، والشهب الثواقب، والشياطين المردة، وغلب أولي العقل على غيرهم، فقال: ﴿مَّنْ خَلَقْنَا﴾، والدليل: عليه: قوله بعد عد هذه الأشياء: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾ بالفاء المعقبة. وقوله: ﴿أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾ مطلقًا من غير تقييد بالبيان، اكتفاء ببيان ما تقدمه، كأنه قال: خلقنا كذا وكذا من عجائب الخلق وبدائعه، فاستفتهم: أهم أشد خلقًا أم الذي خلقناه من ذلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الهمزة وإن خرجت إلى معنى التقرير) أي: الهمزة في ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا﴾ وإن خرجت عن موضوعها الأصلي وهي الاستفهام؛ لأنه طلب لما في الخارج لينتقش مثل ذلك في الذهن إلى تقرير الثابت؛ لأن هذا الأمر المسؤول مقرر معين لم يحتج إلى أن يستفهم منه، لكن أجريت على الاستفهام ظاهرًا؛ ليجعل المقرر غير مقرر فيصح دخول "استفتهم" عليا، والفائدة الإنكار والتوبيخ، كأنه لم يعلم ذلك فاستفتهم وهو معين مقرر، والأسلوب من باب سوق المعلوم مساق غيره، وعليه قول الخارجية:
أيا شجر الخابور، مالك مورقًا؟.... كأنك لم تجزع على ابن طريف