..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منه، فكيف صاروا هم أشد منهم؟ وكيف توهموا لشدتهم عند أنفسهم أنهم يعجزونني وأنا خالق جميعهم وموجدهم من العدم؟ وعليه جمهور المفسرين سوى الإمام.
ثم قال صاحب "الفرائد": يمكن أن يقال: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ يتعلق بما قبله وهو أنه تعالى أقسم أن الإله واحد؛ لإنكارهم ذلك وادعائهم الشرك، ثم ذكر ما لا مقال لهم فيه احتجاجًا عليهم وهو خلقه السماوات والأرض وغيرهما من البدائع والعجائب، فألزمهم بما ذكر أن يقروا بأنه واحد لا شريك له، فلما لم يقروا وعاندوا مع وضوح الدليل كما عاند من قبلهم وداموا على الشرك كما داموا عليه، قيل لهم: فانتظروا الإهلاك؛ لأنكم لا تكونون أشد خلقًا منهم، وقد اُهلكوا بمثل هذا العناد، فأنتم أيضًا ستهلكون به، فوضع ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ موضعه لإفادته معناه، ويمكن أن يكون قوله: ﴿إنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ﴾ لاستكبارهم المنتج للعناد، كقوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق: ٥] ويدل على ما ذكرت الإضراب بعده وهو قوله: ﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾ وقوله بعده حكاية عنهم: ﴿أَئِذَا مِتْنَا﴾ الآية، ذكر استبعادهم بعد الإضراب، فالظاهر أنه غير متعلق بما قبل الإضراب، والله عز وجل أعلم بمفهوم كلامه وبالمراد منه.
وقلت - والله أعلم-: خالف المصنف في أمور، أحدها: أنه مجرى على ظاهره فيمن يعقل دون التغليب. وثانيها: أن ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ كوضوع موضع: فلما لم يقروا وعاندوا إلى آخره، والمصنف جعلها للتعقيب، وجعل الهمزة للتقرير، والسؤال للتبكيت، يعني: إذا تقرر ذلك فاستفتهم. وثالثها: أن قوله: ﴿أَئِذَا مِتْنَا﴾ لا يصح أن يتصل بقوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾.
هذا ولا يخفى على الحذاق بمعرفة التأليف والنظام وعلى ذوي دربة بأساليب الكلام أن القول ما ذهب إليه المصنف؛ لأن وزان الآية مع السوابق واللواحق وزان قوله تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم﴾ [يس: ٨١]، وقد سبق تقريره