بل أبيتم أنت الإيمان وأعرضتم عنه، مع تمكنكم منه مختارين له على الكفر، غير ملجئين إليه، ﴿ومَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم﴾ من تسلط نسلبكم به تمكنكم واختياركم، ﴿بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا﴾ مختارين الطغيان ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا﴾: فلزمنا ﴿قَوْلُ رَبِّنَا إنَّا لَذَائِقُونَ﴾ يعني: وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة؛ لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة، ولو حكى الوعيد كما هو لقال: إنكم لذائقون، ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم؛ لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم، ونحوه قول القائل:
لقد زعمت هوازن قل مالي
ولو حكىت قولها لقال: قل مالك.
ومنه قول المحلف للحالف: احلف لأخرجن، ولتخرجن؛ الهمزة لحكاية لفظ الحالف، والتاء لإقبال المحلف على المحلف. ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ﴾: فدعوناكم إلى الغي دعوة محصلة للبغية، لقبولكم لها واستجابتكم الغي على الرشد، ﴿إنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ فأردنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يعني وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة؛ لعلمه بحالنا) قال القاضي: بينوا بقولهم: ﴿َحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إنَّا لَذَائِقُونَ﴾ أن ضلال الفريقين ووقوعهم في العقاب كان أمرًا مقضيًا لا محيص لهم عنه، وأن غاية ما فعلوا بهم أنهم دعوهم إلى الغي؛ لأنهم كانوا على الغي فأحبوا أن يكونوا مثلهم، وفيه إيماء بأن غوايتهم في الحقيقة ليس من قبلهم.
قوله: (لقد زعمت هوازن قل مالي) تمامه:
وهل لي غير ما أنفقت مال؟
قوله: (دعوة محصلة للبغية) يريد أن الإغواء ضد الهداية، كما أن الهداية معناها


الصفحة التالية
Icon