أن الرزق المعلوم نزل أهل الجنة، وأهل النار نزلهم شجرة الزقوم، فأيهما خير في كونه نزلًا؟ والنزل: ما يقام للنازل بالمكان من الرزق. ومنه: أنزال الجند؛ لأرزاقهم، كما يقال لما يقام لساكن الدار: السكن.
ومعنى الأول: أن للرزق المعلوم نزلًا، ولشجر الزقوم نزلًا، فأيهما خير نزلًا؟ ومخعلوم أنه لا خير في شجرة الزقوم، ولكن المؤمنين لما اختاروا ما أدى إلى الرزق المعلوم، واختار الكافرون ما أدى إلى شجرة الزقوم؛ قيل لهم ذلك توبيخًا على سوء اختيارهم، ﴿فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ﴾: محنة وعذابًا لهم في الآخرة. أو ابتلاءً لهم في الدنيا، وذلك أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؛ فكذبوا. وقرئ: (نابتة في أصل الجحيم)، قيل: منبتها في قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها. والطلع للنخلة، فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجوهري: البلح: قبل البسر، والواحدة: بلحة، أول التمر طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر.
قوله: (ولكن المؤمنين لما اختاروا) يعني: لما كان مؤدى فعل الكافرين إلى شجرة الزقوم كمؤدى فعل المؤمنين إلى الرزق المعلوم؛ حمل ذاك على هذا حملًا للنقيض على النقيض تهكمًا. ويجوز أن يكون من المشاكلة المعنوية، ويجوز أن يكون من أسلوب قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨].
فإن قلت: لم فرق بين المعنيين في الاعتبارين؟ فإنه جعل ﴿نُزُلًا﴾ تمييزًا في الأول وحالًا في الثاني. قلت: لأنه لما استعار النزل للحاصل من الشيء تعين أن يكون تمييزًا دون الحال؛ لأن حاصل الشيء لا يصدق عليه، ومن شأن الحال صدقه على ذي الحال، ويجوز أن يحمل في الثاني على التمييز أيضًا نحو قوله: لله دره فارسًا.


الصفحة التالية
Icon