أعرابي: أصحيح من الموت في عنقه! وقيل: أراد: إني سقيم النفس لكفركم.
[﴿فَرَاغَ إلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَاكُلُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ ٩١ - ٩٣]
﴿فَرَاغَ إلَى آلِهَتِهِمْ﴾: فذهب إليها في خفية، من روغة الثعلب، ﴿إلَى آلِهَتِهِمْ﴾: إلى أصنامهم التي هي في زعمهم آلهة، كقوله: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ﴾ [النحل: ٢٧]. ﴿أَلا تَاكُلُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ استهزاء بها وبانحطاطها عن حال عبدتها، {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ﴾: فأقبل عليهم مستخفيًا، كأنه قال: فضربهم ﴿ضَرْبًا﴾؛ لأن "راغ عليهم" في معنى: ضربهم. أو: فراغ عليهم يضربهم ضربًا. أو: ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا﴾ بمعنى ضاربًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿فَرَاغَ إلَى آلِهَتِهِمْ﴾: فذهب إليها في خفية) يريد: ضمن ﴿فَرَاغَ﴾ معنى "ذهب" وعدي بـ"إلى"، كما أن ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ﴾ مضمن للإقبال ويعدى بـ"على"، ولذلك قال: فذهب إليها في خفية، "فأقبل عليهم مستخفيًا" بعد استعارة الروغان للخفية.
قال في "الأساس": ومن المجاز: فلان يروغ عن الحق، ولا يقال: راغ عن كذا إلا إذا كان عدوله عنه في خفية، وما زلت أراوغه على هذا الأمر فما راغ إليه أي: أدواره. وحقيقته: حملته على الروغان، مأخوذ من روغان الثعلب، وأراغ العقاب الصيد؛ إذا ذهب الصيد؛ هكذا وهكذا.
قوله: (بمعنى ضارباَ) فعلى هذا: ﴿ضَرْباَ﴾ حال، وعلى الأول: مفعول مطلي، نحو "قعدت جلوسًا"، وعلى الثاني: مصدر مؤكد والعامل مضمر. قال صاحب "الفرائد": يبعد أن يكون مفعولًا مطلقًا؛ لأن الإقبال على الشيء مستخفيًا لا يدل على الضرب.
وقلت: في جعل الإقبال عليهم نفس الضرب مبالغة، فهو مجاز من باب إطلاق السبب على المسبب؛ لأن إقباله عليهم لم يكن للضرب. ويجوز أن يكون من باب المجاز باعتبار ما يؤول إليه، أي: أقبل عليهم إقبالًا مؤديًا إلى الضرب، كما قال في ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] هدىً للضالين الصائرين إلى التقوى، فالمعنى: فمال إلى الأصنام يضربها ضربًا؛ لأن الإنحاء على الضرب بمعنى الضرب.