أن يغلبوه بالحجة فلقنه الله وألهمه ما ألقمهم به الحجر، وقهرهم، فمالوا إلى المكر، فأبطل الله مكرهم وجعلهم الأذلين الأسفلين لم يقدروا عليه.
[﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ ٩٩ - ١٠١].
أراد بذهابه إلى ربه: مهاجرته إلى حيث أمره بالمهاجرة إليه من أرض الشام؛ كما قال: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦]، ﴿سَيَهْدِينِ﴾: سيرشدني إلى "ما فيه صلاحي في ديني، ويعصمني ويوفقني، كما قال موسى عليه السلام: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٦٢] كأن الله وعده وقال له: سأهديك، فأجرى كلامه على سنن موعد ربه، أو بناه على عادة الله تعالى معه في هدايته وإرشاده أو أظهر بذلك توكله وتفويضه أمره إلى الله.
ولو قصد الرجاء والطمع لقال، كما قال موسى صلى الله عليه: ﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [القصص: ٢٢].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَعْمَلُونَ} وهو المراد من قوله: "فلقنه الله وألهمه ما ألقمهم الحجر"، والثاني ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾، وإليه الإشارة بقوله: "فأبطل الله مكرهم" إلى آخره.
قوله: (ولو قصد الرجاء والطمع لقال... :﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي﴾ يريد أنه عليه السلام قطع بقوله ﴿سَيَهْدِينِ﴾ حصول الهداية؛ لأن سين الاستقبال للجزم بوقوع الفعل.
قال في "المفصل": إن "سيفعل" جواب "لم يفعل"، وكانت عادة الله معه جارية على القطع في الإرشاد، فحدث بذلك لقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١] أو أجرى كلامه على المشاكلة وسنن موعد ربه، أو أظهر بذلك للقوم ومن كان قاصده ويريد كيده التجلد، يعني أن حالي مع ربي بهذه المثابة فلا أبالي بكيدكم، فالمقام يأبى الرجاء والطمع.