لما قال: فلما بلغ السعي، أي: الحد الذي يقدر فيه على السعي، قيل: مع من؟ فقال: مع أبيه. والمعنى في اختصاص الأب: أنه أرفق الناس به، وأعطفهم عليه، وغيره ربما عنف به في الاستسعاء، فلا يحتمله؛ لأنه لم تستحكم قوته ولم يصلب عوده، وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة. والمراد: أنه على غضاضة سنه وتقلبه في حد الطفولة، كان فيه من رصانة الحلم وفسحة الصدر ما جسره على احتمال تلك البلية العظيمة والإجابة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتعلق بـ"بلغ" وحين لم يجز تقديمه عليه وجب أن يقدر مثله على شريطة التفسير، كما قال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ [يوسف: ٢٠]: "فيه" ليس من صلة "الزاهدين" لأن الصلة لا تتقدم على الموصول، وإنما هو بيان، كأنه قيل: في أي شيء زهدوا؟ فقيل: زهدوا فيه. وهكذا التقدير، لما قال: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ" أي القدرة على أن يسعى. فقيل: مع من يسعى؟ فقيل: مع أبيه.
والفائدة في التكرير التأكيد كما في تركيب الإضمار على شريطة التفسير والمبالغة في استصحابه إياه، كأنه بلغ معه واستكمل في أخلاقه من بدء حاله، وفي تخصيص ذكر الأب ما ذكره، والفائدة في تخصيص هذا الحد من العمر الدلالة على أنه على غضاضة سنه كان فيه من رصانة الحلم ما جسره على احتمال تلك البلية.
قال صاحب "الفرائد" أي افتقار إلى البيان وإلى السؤال؟ والوجه أن يقال: التقدير فلما بلغ السعي كائنًا معه، فيكون حالًا من "السعي" متقدمًا عليه.
وقلت: المعنى لا يساعد عليه؛ لأنه عليه السلام ما بلغ سعيًا وصفه أنه كائن مع أبيه؛ لأن المعنى أنه عليه السلام بلغ حدًا من العمر يسعى مع أبيه.