ما فعل هؤلاء السفهاء- يريدون: الذين دخلوا في الإسلام- وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا ابن أخي، هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماذا يسألونني؟ " قالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال عليه السلام: "أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمةً واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟ " فقالوا: نعم وعشرًا، أي: نعطيكها وعشر كلمات معها، فقال: "قولوا: لا إله إلا الله"، فقاموا، وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾؟ ! أي: بليغ في العجب. وقرئ: (عجاب) بالتشديد، كقوله تعالى: ﴿مَكْرًا كُبَّارًا﴾ [نوح: ٢٢] وهو أبلغ من المخفف، ونظيره: كريم وكرام وكرام. وقوله: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا﴾ مثل قوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ [الزخرف: ١٩] في أن معنى الجعل التصيير في القول على سبيل الدعوى والزعم، كأنه قال: أجعل الجماعة واحدًا في قوله؛ لأن ذلك في الفعل محال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أجعل الجماعة واحدًا في قوله)، أي: سمى الآلهة إلها واحدًا، فالجعل بمعنى: التصيير في القول، وبمعنى: التسمية؛ لأن هذا المعنى في الفعل محال لا يقدر أحد أن يجعل الجماعة إنسانًا واحدًا. قال الإمام بعدما نقل كلام المصنف، أقول: إن منشأ التعجب من وجهين: أحدهما: أن القوم ما كانوا أصحاب نظر واستدلال، بل كانت أوهامهم تابعةً للمحسوسات، فلما وجدوا في الشاهد أن الفاعل الواحد لا يفي قدرته وعلمه بحفظ الخلائق، قاسوا الغائب على الشاهد، فكذلك المجسمة فإنهم يقولون: لما كان كل موجود في الشاهد يجب أن يكون جسمًا متحيزًا يجب في الغائب، وكذا قول المعتزلة فإنهم يقولون: إن الأمر الفلاني قبيح منا فيجب أن يكون قبيحًا من الله تعالى.
والثاني. أن أسلافهم لكثرتهم وقوة عقولهم كانوا مطبقين في الشرك، توهموا أن كونهم