بها مواقعها، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته وعدله، كما قال ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا﴾ [الزخرف: ٣٢]، ثم رشح هذا المعنى فقال: ﴿أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ﴾ حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء؟ ! ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال: فإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة، وكانت عندهم الحكمة التي يميزون بها بين من هو حقيق بإيتاء النبوة دون من لا تحق له ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ﴾: فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى العرش، حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله، وينزلوا الوحي إلى من يختارون ويستصوبون، ثم خسأهم خسأة عن ذلك بقوله: ﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الأَحْزَابِ﴾ يريد: ما هم إلا جند من الكفار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم رشح)، أي: ربي، الجوهري: فلان يرشح للوزارة، أي: يربي ويؤهل لها، ومنه الترشيح في الاستعارة. وخلاصته: أنه ترقى من لإضراب الأول وتمم ما أفاده من المبالغة، فإن قوله: ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الوَهَّابِ﴾ أفاد تقريرًا بأن الله العزيز الوهاب وضع عندهم خزائنه وأمرهم أن يقسموها على من أرادوا، فإن قوله: ﴿أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ومَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ﴾ دل على: اتصافهم بصفة الربوبية واستقلالهم بالمالكية تهكمًا، انظر إلى هذا التغليظ في شأن الحاسد وحسده.
قوله: (فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه)، الانتصاف: الاستواء المنسوب إلى الله ليس مما يتوصل إليه بالصعود في المعارج، فليس استواؤه اسقرارًا، بل لما خلق الله الخلق فعل فيه فعلًا سماه استواء، وعبارة الزمخشري ها هنا ليست بجتدة.
وقلت: ما أحسن عبارته لو تأمل فيه!
قوله: (ما هم إلا جند من الكفار)، هذا يشعر بأن ﴿مَا﴾ مزيدة، والتنكير للتفخيم، وفيها معنى الاستعظام، لكن حاصل الكلام ودلالة المقام مؤذنان بالتحقير، وإليه الإشارة


الصفحة التالية
Icon