..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تباشره. ومنه حديث الشفاعة في الصحيحين وقول الأنبياء: "لست هناكم" ومنه حديث النبيذ: "تعدي طوره"، أي: جاوز حده وحاله الذي يخصه. ذكره صاحب"النهاية" فظهر أن ﴿هُنَالِكَ﴾ هنا كناية عن تحقير شأنهم، ولهذا قال: ﴿هُنَالِكَ﴾ إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانيداب لمثل ذلك القول العظيم، يعني: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١]، والذي يستدعي هذا التفسير مراعاة النظم؛ لأن قولهم ذلك اقتضى أن يقال فيهم: ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾ ﴿أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ﴾ وأن يرفع من قدرهم إلى أوج أعلى عليين تهكما ثم يحط إلى حضيض أسفل السافلين استخفافًا، وعلى الأول الإشارة بقوله: "يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه" وإلى الثاني بقوله: "ثم خسأهم خسأةً"، أي: زجرهم زجر الكلب.
فإن قلت: قوله: (﴿هُنَالِكَ﴾ إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم" كيف يلتئم مع قوله: "ما هم إلا جند من الكفار المتجرئين على رسول الله مهزوم مكسور عما قريب"، وكان الهزم والكسر يوم بدر، وذلك يقتضي أن يكون المشار إليه يوم بدر، على أن المفسرين صرحوا به؟
قال الواحدي: المشار إليه بقوله ﴿هُنَالِكَ﴾: يوم بدر ومصارعهم. وقال الإمام: قيل: يوم بدر، وقيل: يوم الخندق. والأصوب عندي: يوم فتح مكة؛ لأنهم حينئذ انهزموا في موضع تكلموا فيه بهذه الكلمات.
قلت: إلالتئام على تأويله سهل؛ لأنه قال: هؤلاء الحمقى الذين وضعوا أنفسهم فيما هم ليسوا من أهله تراهم مهزومين مكسورين عن قريب، فمن أين لهم التدابير الإلهية والتصرف في الأمور الربانية؟ ! ولا تكترث بقولهم ولا تبال بهم، فجعل الانتداب لمثل ذلك القول علة للهزم لا ينافي إرادة الهزم يوم بدر مثلًا.


الصفحة التالية
Icon