إلى ضوء نار في يفاع تحرق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول لحكاية الحال الماضية واستحضار في نظر السامع فيشاهد حدوث التسبيح من الجبال شيئًا بعد شيء ويتعجب من تلك القدرة الربانية على ما سبق في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ [فاطر: ٩].
أتي بالمضارع بين الماضيين للاستحضار وللاستعجاب؛ إذ لو قيل: "فأثارت" و"مسبحات" لم يكن من هذا المعنى في شيء. و ﴿مَحْشُورَةً﴾ على ما هي عليه أدل على القدرة، ولو عدل إلى خلاف المقتضى لكان خلفًا وغير سديد، وليت شعري من تكلم فيما لا دربة له فيه وتقدم على التأمل فلا يتأمل كلامه، وظهر أن كلام إمام المسلمين جاء مستطردًا وهو أجدر بالقبول؛ لأن العامي لم يقصد هذا المعنى، ورميه على عمياء- والله أعلم-.
قوله: (إلى ضوء نار في يفاع تحرق)، أوله:
لعمري لقد لاحت عيون كثرة
وبعده:
تشب لمقرورين يصطليانها.... وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما.... بأسحم داج عوض لا نتفرق
اللبان- بكسر اللام-: لبن المرأة خاصة. تقاسما: تحالفا. بأسحم داج: ظرف، أي: في ليل داج أقسما أن لا يتفرقا. رضيعي لبان: حال، وقيل: خبر ثان ونصب على المدح، وهذا أوجه، و"عوض"- بسكون الواو-: الأبد، يضم وبفتح بغير تنوين، وهو للمستقبل من الزمان، كما أن"قط" للماضي؛ لأنك تقول: عوض لا أفارقك، ولا تقول: عوض ما فارقتك. اليفاع: الجبل المرتفع. تحرق، أي: الحطب؛ لأن الجواد منهم كان يوقد النار على الموضع المرتفع لتجتمع إليه كل من رآها من بعيد.