وحيائه، وأدعى إلى التنبه على الخطأ فيه من أن يبادره به صريحًا، مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة. ألا ترى إلى الحكماء كيف أوصوا في سياسة الولد إذا وجدت منه هنة منكرة أن يعرض له بإنكارها عليه ولا يصرح، وأن تحكى له حكاية ملاحظة لحاله إذا تأملها استسمج حال صاحب الحكاية فاستسمج حال نفسه، ذلك أزجر له؛ لأنه ينصب ذلك مثالًا لحاله ومقياسًا لشأنه، فيتصور قبح ما وجد منه بصورة مكشوفة، مع أنه أصون لما بين الوالد والولد من حجاب الحشمة. فإن قلت: فلم كان ذلك على وجه التحاكم إليه؟ قلت: ليحكم بما حكم به من قوله: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلَى نِعَاجِهِ﴾ [ص: ٢٤] حتى يكون محجوجًا بحكمه ومعترفًا على نفسه بظلمه. ﴿وَهَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأدعى إلى التنبه على الخطأ فيه من أن يبادره صريحًا)، وقلت: وهو نوع من باب الاستدراج وإرخاء العنان. قال صاحب "الانتصاف": نبه الزمخشري على مجيء الإنكار على طريق التمثيل، فإن التعريض داع إلى التأمل، وفيه أن اجتناب المهاجرة بالإنكار أبقى للحشمة.
قوله: (ليحكم بما حكم به) إلى قوله: (حتى يكون محجوجًا بحكمه)، الانتصاف: أي: جاء على وجه المحاكمة ليحكم بقوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ﴾ فتقوم عليه الحجة. قوله: ﴿أَخِي﴾ فإن الأخوة بصداقة أو دين أو شركة تمنع الاعتداء.
وقوله: (﴿فِي الْخِطَابِ﴾)، أي: في المخاطبة، أي: أتاني بما لا أقدر على رده من الجدال، أو من الخطبة، أي: خطب فأوثر عليً، وهو مصدر المفاعلة؛ لأن الخطبة صدرت من كل واحد منهما، ولم يكن في المثل المضروب خطبة من مالكها إلا تقديرًا، "أو" أما في قصة داوود فهو ممكن، وجواب الزمخشري الذي يأتي ليس بجيد على ما ستراه.