أنه أمر يستحيا من كشفه، فيكنى عنه كما يكنى عما ستسمج الإفصاح به، وللستر على داود عليه السلام، والاحتفاظ بحرمته. ووجه التمثيل فيه: أن مثلت قصة أوريا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة ولخليطه تسع وتسعون، فأراد صاحبه تتمة المئة فطمع في نعجة خليطه، وأراده على الخروج من ملكها إليه، وحاجه في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده، والدليل عليه قوله: ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطَاءِ﴾ [ص: ٢٤]، وإنما خص هذه القصة؛ فيها من الرمز إلى الغرض بذكر النعجة. فإن قلت: إنما تستقيم طريقة التمثيل إذا فسرت الخطاب بالجدال، فإن فسرته بالمفاعلة من الخطبة: لم تستقم. قلت: الوجه مع هذا التفسير أن أجعل النعجة استعارة عن المرأة، كما استعاروا لها الشاة في نحو قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: تعريضًا وتورية، وكلامهم أيضًا تعريض وتورية، فجيء بقوله: ﴿نَعْجَةً﴾ تتميمًا لتلك التورية؛ لأن التعريض أبلغ في التوبيخ، وإنما قلنا: إن المراد بالتمثيل التعريض؛ لأنه فسر التمثيل به فيما سبق من قوله: "لم جاءت على طريق التمثيل والتعريض دون التصريح"، فعطف التعريض عليه على سبيل البيان، ولأن المعنى عليه. قوله: "لما ذكرنا"، أي: في قوله: " إن التأمل إذا أداه إلى الشعور بالمعرض به كان أوقع في نفسه" إلى قوله: "وأدعى إلى التنبيه على الخطإ فيه". وقوله: "وللتنبيه على أنه أمر يستحيا منه" عطف على قوله: "لأن التمثيل أبلغ".
قوله: (وأراده على الخروج)، الأساس: أراده على الأمر، حمله عليه. والإضافة في"ملكها" إلى المفعول.
قوله: (والدليل عليه)، أي: على أن الممثل به قصة رجل له نعجة واحدة، ولخليطه تسع وتسعون التصريح بذكر الخلطاء في قوله: ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطَاءِ﴾؛ لأن ظاهر قوله: ﴿إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً﴾ الآية، ليس فيه معنى الخلطة.


الصفحة التالية
Icon