وتبعه من قال:
ومن وجد الإحسان قيدًا تقيدا
وفرقوا بين الفعلين؛ فقالوا: صفده: قيده، وأصفده: أعطاه، كوعده وأوعده، أي: ﴿هَذَا﴾ الذي أعطيناك من الملك والمال والبسطة ﴿عَطَاؤُنَا﴾، ﴿بَغَيْرِ حِسَابٍ﴾، يعني: جمًا كثيرًا لا يكاد يقدر على حسبه وحصره، ﴿فَامْنُنْ﴾ من المنة؛ وهي العطاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هممي معلقة عليك رقابها.... مغلولة إن العطاء إسار
الإسار: القيد، وهو مصدر أيضًا، يقال: أسرت الرجل أسرًا وإسارًا، والرواية في ديوانه: "إن الوفاء إسار" يقول: أحسنت إلي فصيرني إحسانك أسيرًا لك. قبله:
أيامنا مصقولة أطرفها.... بك والليالي كلها أسحار
ومودتي لك لا تعار بلى إذا.... ما كان تامور الفؤاد يعار
التامور: القلب، يقول: لا أعير مدتك سواك، كما أني لا أعير قلبي ودمي.
قوله: (وتبعه)، أي: المتنبي أخذ من هذا قوله:
وقيدت نفسي في ذراك محبة ومن وجد الإحسان قيدًا تقيدا
الذرة- بالفتح- كل ما استترت به، يقال: أنا في ظل فلان وفي ذراه، أي: في كنفه.
قوله: (﴿عَطَاؤُنَا﴾، ﴿بَغَيْرِ حِسَابٍ﴾)، قدم ﴿بَغَيْرِ حِسَابٍ﴾ على ﴿فَامْنُنْ﴾ ليشير إلى أن ﴿بَغَيْرِ حِسَابٍ﴾ متعلق بـ ﴿عَطَاؤُنَا﴾، والفاء في ﴿فَامْنُنْ﴾ للتفصيل أو جزاء شرط محذوف، و ﴿أَوْ﴾ للإباحة والتخيير، ولذلك قال: "مفوضًا إليك التصرف فيه". وعن بعضهم: ﴿بَغَيْرِ حِسَابٍ﴾ حال من ﴿عَطَاؤُنَا﴾ أي: هذا عطاؤنا واسعًا؛ لأن الحساب بمعنى: الكافي.


الصفحة التالية
Icon