ذكر الجنة وأهلها؛ قال: ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾، ثم قال: ﴿وإنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ كما يقول الجاحظ في كتبه: فهذا باب، ثم يشرع في باب آخر، ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر: هذا وقد كان كيت وكيت؛ والدليل عليه: أنه لما أتم ذكر أهل الجنة وأراد أن يعقبه بذكر أهل النار؛ قال: ﴿هَذَا وإنَّ لِلطَّاغِينَ﴾ [ص: ٥٥]. وقيل: معناه: هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبدًا. وعن ابن عباس رضي الله عنه: هذا ذكر من مضى من الأنبياء. ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ معرفة لقوله: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ [مريم: ٦١]، وانتصابها على أنها عطف بيان لـ ﴿لَحُسْنَ مَآبٍ﴾. ﴿مُّفَتَّحَةً﴾ حال، والعامل فيها ما في ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ من معنى الفعل. وفي ﴿مُّفَتَّحَةً﴾ ضمير "الجنات"، و ﴿الأَبْوَابُ﴾ بدل من الضمير، تقديره: مفتحة هي الأبواب، كقولهم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: معناه: هذا شرف)، ﴿هَذَا﴾ مبتدأ و ﴿ذِكْرٌ﴾ خبر، فالمناسب أن الذكر إذا أريد به القرآن يكون بمعنى التذكير والشرف، وإذا أريد به ذكر من مضى من الأنبياء يكون بمعنى الذكر المتعارف على ما مضى في قوله: ﴿ذِكْرَى الدَّارِ﴾.
قوله: (لقوله: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾)، يعني: أن "عدنًا" علم، بدليل وصفه بالموصوف.
قوله: (وفي ﴿مُّفَتَّحَةً﴾ ضمير "الجنات"، و ﴿الأَبْوَابُ﴾ بدل من الضمير)، قال أبو البقاء: أما ارتفاع ﴿الأَبْوَابُ﴾ ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: هو فاعل ﴿مُّفَتَّحَةً﴾، والعائد محذوف، أي: مفتحة لهم الأبواب منها. والثاني: هي بدل من الضمير في ﴿مُّفَتَّحَةً﴾، وهو ضمير "الجنات" و ﴿الأَبْوَابُ﴾ غير أجنبي منها؛ لأنها من الجنة وقد يقال: "فتحت الجنة" يراد أبوابها ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ [النبأ: ١٩]، وقيل: إن من شرط إعمال الصفة أن يكون في السبب دون الأجنبي. والثالث: كالأول إلا أن الألف واللام بدل من الهاء العائدة، وفيه بعد، وهو قول الكوفيين.