بين أن يكونوا من أهل الجنة، وبين أن يكونوا من أهل النار، إلا أنه خفي عليهم مكانهم. والوجه الثاني: أن يتصل بـ ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًا﴾، إما أن تكون ﴿أَمْ﴾ متصلة على معنى: أي: الفعلين فعلنا بهم: الاستسخار منهم، أم ازدراءهم وتحقيرهم، وأن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحمهم؟ على معنى أنكار الأمرين جميعًا على أنفسهم. وعن الحسن: كل ذلك قد فعلوا: اتخذوهم سخريًا، فزاغت عنهم أبصارهم محقرةً لهم. وإما أن تكون منقطعة بعد مضي ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًا﴾ على الخبر أو الاستفهام،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبين أن يكونوا من أهل النار، فعلى هذا: المناسب أن يكون ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًا﴾ إخبارًا صفة لـ ﴿رِجَالًا﴾.
قوله: (تعلو عنهم)، أي: تحقرهم. الأساس: اعل عني: تنح عني، وعال عن الوسادة واعل عنها، قال:
فيا حب ليلى اعل عني قتلتني.... وأعقب بإنسان صحيح مكانيا
قوله: (على الخبر أو الاستفهام)، التعريف في"الخبر" للعهد، و"الاستفهام" للعهد والمعهود قوله: " ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًا﴾، قرئ بلفظ الإخبار"، إلى قوله: "وبهمزة الاستفهام"، أما المعنى على الخبر فإنهم أخبروا عن أنفسهم وسوء صنيعهم بالمسلمين من الاستهزاء والسخرية على سبيل الندم والتحسر، ثم أضربوا عن الإخبار بالأخذ في الإنكار وتأنيب أنفسهم، يعني: لم يكن موضع الإخبار؛ بل هو موضع الإنكار، أزاغت أبصارنا وكلت أفهامنا حيث ازدرينا بهم واستسخرنا منهم؟ فهو كقولك: إنها لإبل أم شاء، وأما على الاستفهام: فإنهم أنكروا أولًا على أنفسهم الاستسخار منهم ثم أضربوا عنه وأنكروا على أنفسهم أبلغ من ذلك، أي: دع ذلك، أزاغت أبصارنا وكلت أفهامنا حيث خفي عنا مكانهم وأنهم على الحق المبين ونحن على الباطل وما تبعناهم؟ فهو كقولك: أزيد عندك؟ أم عندك عمرو؟ فالمثالان في الكتاب نشر لقوله: "على الخبر أو الاستفهام".