وعن الحسن: أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو، فقال: هذا تمن، وإنما الرجاء قوله، فتلا هذه الآية. وقرئ: (إنما يذكر) بالإدغام.
[﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ١٠]
﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ متعلق بـ ﴿أَحْسَنُوا﴾ لا بـ ﴿حَسَنَةٌ﴾، معناه: الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة؛ وهي دخول الجنة، أي: حسنة غير مكتنهة بالوصف. وقد علقه السدي بـ ﴿حَسَنَةٌ﴾، ففسر الحسنة بالصحة والعافية. فإن قلت: إذا علق الظرف بـ ﴿أَحْسَنُوا﴾ فإعرابه ظاهر، فما معنى تعليقه بـ ﴿حَسَنَةٌ﴾، ولا يصح أن يقع صفة لها؛ لتقدمه؟ قلت: هو صفة لها إذا تأخر، فإذا تقدم كان بيانًا لمكانها، فلم يخل التقدم بالتعليق، وإن لم يكن التعلق وصفًا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وعن الحسن: أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو، فقال: هذا تمن، وإنما الرجاء هذه الآية)، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾ الآية. الانتصاف: كلام الحسن صحيح أراد به الزمخشري باطلًا، فمراد الحسن أن حق المصر أن يغلب خوفه رجاءه، ولم يرد إقناطه من رحمة الله، ويظهر من حال الزمخشري واعتقاده أن هذا العاصي لا يدخل الجنة فلا وجه لرجائه، فأورد قول الحسن رمزًا لهذه العقيدة، فلا ينفع القانت قنوته إذا أودى به قنوطه، يريد: ﴿لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: ٨٧].
قوله: (فلم يخل التقدم بالتعليق)، يعني: ﴿حَسَنَةٌ﴾ مبتدأ، والخبر ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ متعلق بـ ﴿حَسَنَةٌ﴾ ولو كان متأخرًا عنها لكان وصفا، وحين تقدم كان بيانًا لمكانها؛ لأن التقدم لم يخل بالتعلق، كما أن الجملة إذا كانت صفة لنكره- وهي إما فاعل أو مفعول- فإذا تقدمت صارت حالًا، وهذه وإن لم تكن وصفًا لتقدمها، ولا حالًا