يفيد أن الله تعالى هو الذي يقدر على الإنقاذ من النار وحده، لا يقدر على ذلك أحد غيره، فكما لا تقدر أنت أن تنقذ الداخل في النار من النار، لا تقدر أن تخلصه مما هو فيه من استحقاق العذاب بتحصيل الإيمان فيه.
[﴿َكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ المِيعَادَ﴾ ٢٠]
﴿غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ﴾: علالي بعضها فوق بعض. فإن قلت: ما معنى قوله: ﴿مَّبْنِيَّةٌ﴾؟ قلت: معناه، والله أعلم: أنها بنيت بناء المنازل التي على الأرض وسوت تسويتها. ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ كما تجري تحت المنازل، من غير تفاوت بين العلو والسفل. ﴿وعْدَ اللَّهِ﴾ مصدر مؤكد؛ لأن قوله: ﴿لَهُمْ غُرَفٌ﴾ في معنى: وعدهم الله ذلك.
[﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفأنت تهدي من هو منغمس في الضلال؟ فوضع النار موضع الضلال وضعًا للمسبب موضع السبب لقوة أمره، ثم عقب المجاز بما يناسبه من قوله: {تُنْقِذُ﴾ بدل ﴿تَهْدِي﴾ كما يعقب الاستعارة بالترشيح؛ لأن الإنقاذ أنسب لمن هو في النار من الهداية، وذلك لشدة حرصه صلوات الله عليه على إيمانهم والمبالغة في اجتهاده.
قوله: (يفيد أن الله تعالى هو الذي يقدر على الإنقاذ)، إلى آخره. أراد أن تقديم الفاعل المعنوي على الفعل وإيلاءه همزة الإنكار يدل على أن الكلام في الفاعل لا في الفعل، أي: لست أنت الفاعل لهذا الفعل بل فاعله غيرك وهو الله وحده.
قوله: (ما معنى قوله: ﴿مَّبْنِيَّةٌ﴾؟ )، يعني: وصف الغرف بالمبنية، والمتعارف أنها من أوصاف التحتانية لا العلالي، وخلاصة الجواب: أن غرف الجنة على خلاف ما في الدنيا، فيكون بناؤها بناء المنازل التي على الأرض وسويت بتسويتها، تجري من تحتها الأنهار كما تجري من تحت المنازل.